وكالات ـ خلال ولايته الأولى في البيت الأبيض، سحب دونالد ترامب الولايات المتحدة من العديد من الاتفاقيات الدولية ووكالات الأمم المتحدة، ووصل به الأمر إلى التهديد بمغادرة حلف شمال الأطلسي (الناتو). في ذلك الوقت، كان كبار المسؤولين في فريقه بمثابة “حواجز حماية” ولم تكن أوروبا في مأمن من اندلاع صراع على أراضيها. واليوم، في مواجهة إمكانية عودة الملياردير الأمريكي إلى السلطة، تستعد أوروبا بهمة لحماية نفسها من رئاسة جديدة للجمهوريين.
مع اقتراب إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، والتي تعد بمنافسة حامية الوطيس بين دونالد ترامب وكامالا هاريس، يستعد القادة الأوروبيون بالفعل لعودة محتملة للجمهوريين إلى السلطة. في حين باتت أوروبا اليوم أكثر عرضة للخطر مما كانت عليه خلال فترة ولاية دونالد ترامب الأولى (2016-2020)، حيث اندلعت الحرب في القارة مع الغزو الروسي الواسع النطاق لأوكرانيا في عام 2022. علاوة على ذلك، يؤكد الرئيس الأمريكي السابق عزمه على مواصلة سياساته الانعزالية والحمائية، “أمريكا أولا”، والتي ينوي الدفع بها إلى أبعد مما فعل خلال الفترة الأولى التي قضاها في البيت الأبيض. ويثير احتمال تحديث لنسخة جديدة من ترامب أي “ترامب 2.0” مخاوف متزايدة.
“لم يكن ترامب مستعدا حقا للفوز في انتخابات 2016، لذلك كان عليه الاعتماد على شخصيات حزبية راسخة وجنرالات الجيش لإظهار صورة “القوة”. يوضح أوسكار وينبرغ، المتخصص في السياسة الأمريكية في معهد الدراسات المتقدمة في توركو بفنلندا، بالقول إن هؤلاء الأشخاص لم يكونوا مثله مستعدين لتجاوز الأعراف، وبالتالي لعبوا دور” البالغين المسؤولين “من خلال كبح بعض مبادراته الأكثر اضطرابا”. “لكن هذه المرة، كان أمام ترامب أربع سنوات للاستعداد، بقصد ملء الإدارة بالمحافظين والموالين، وإقالة المسؤولين غير المسيسين. أي ببساطة اختفت الضمانات التي حدت من سلطته ذات يوم”.
عودة التهديد الروسي
تثير إعادة انتخاب ترامب المحتملة نقطتي قلق رئيسيتين في أوروبا تتعلقان بالحرب في أوكرانيا والتزام الولايات المتحدة داخل حلف الناتو. ووفقا لحليفه، رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، فإن الملياردير الجمهوري يؤكد أنه “لن يدفع مليما واحدا” لأوكرانيا إذا فاز في الانتخابات، مفضلا السعي إلى “اتفاق سلام” من خلال المفاوضات مع فلاديمير بوتين. من المحتمل أن يجبر مثل هذا الاتفاق أوكرانيا على تقديم تنازلات مؤلمة، ولا سيما التنازل عن الأقاليم الشرقية من أراضيها، مما قد يؤدي إلى تفاقم حدة التهديد الروسي لأوروبا.
ولتجنب حدوث ذلك، اتخذت تدابير الدعم الدائم لأوكرانيا على جانبي المحيط الأطلسي. فقد أعلن حلف شمال الأطلسي الصيف الفائت إنشاء بعثة المساعدة والتدريب لأمن أوكرانيا (نساتو)، ومقرها في ألمانيا، لتنسيق تدريب القوات الأوكرانية وتوريد المعدات العسكرية إليها دون الاعتماد على الولايات المتحدة. من جانبها، وضعت مجموعة السبع – التي تضم الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا وكندا واليابان – اللمسات الأخيرة على قرض طويل الأجل بقيمة 50 مليار دولار – نحو 46 مليار يورو – لأوكرانيا، ممول إلى حد كبير من الفائدة على الأصول الروسية المجمدة في بنوك أوروبا. ودعم الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن حلفاءه الأوروبيين من خلال ضمان توفير 20 مليار دولار كانت قد خططت لها الولايات المتحدة بالفعل بحلول نهاية العام الحالي.
كما اعتمد الكونغرس الأمريكي خمسة قوانين بتوفير مساعدات لأوكرانيا منذ بداية الحرب، بمبلغ إجمالي قدره 175 مليار دولار – نحو 162 مليون يورو – منها 106 مليارات مخصصة مباشرة للحكومة الأوكرانية.
وأثناء مؤتمر صحفي في منتصف أكتوبر/تشرين الأول الجاري في ريغا، عاصمة لاتفيا، قال جيمس أوبراين، مساعد وزير الخارجية لشؤون أوروبا وأوراسيا، إن جو بايدن “سيفي” بالأموال التي خصصها الكونغرس الأمريكي لأوكرانيا قبل نهاية فترة ولايته.
ويستعد الاتحاد الأوروبي، من جانبه، لتعزيز عقوباته ضد روسيا في حالة عودة دونالد ترامب إلى السلطة، لكنه يواجه عقبات داخلية من بعض أعضائه. فالرئيس المجري فيكتور أوربان، المقرب من فلاديمير بوتين، يهدد بعرقلة مساعدات الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا وشن حملات لرفع العقوبات عن موسكو. وهو يمارس بذلك حق بلاده حيث إن أي إجراء للعقوبات في الاتحاد الأوروبي يتطلب موافقة الدول الأعضاء الـسبعة والعشرين بالإجماع.
قلق على الناتو
يجب على دول أوروبا أيضا تعزيز قدراتها الدفاعية. ونظرًا لجهلها بما إذا كانت ستتمكن من الاعتماد على الولايات المتحدة لفترة طويلة قادمة، زادت العديد من الدول من إنفاقها الدفاعي وطورت إنتاجها المحلي من الأسلحة. لكن حلف شمال الأطلسي لا يزال مصدر قلق مزمن لها.
فخلال ولايته الأولى، أعرب ترامب مرارا عن رغبته في مغادرة التحالف، ووفقا للمفوض الأوروبي تييري بريتون، فهو كان بوسعه القول لأورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية: “يجب أن تفهمي أنه إذا تعرضت أوروبا للهجوم، فلن نأتي أبدا لمساعدتكم ودعمكم. وهكذا سيموت حلف شمال الأطلسي (الناتو). وسوف نغادر ونترك الناتو”. فالرئيس الأمريكي السابق قال إنه سئم من “المستغلين (الأوروبيين)” الذين استفادوا من حماية الولايات المتحدة بينما لم يحترموا هدف الناتو المتمثل في إنفاق 2 بالمئة من ناتجهم المحلي الإجمالي على ميزانيات الدفاع. آنذاك، كان هناك ثلاثة فقط من أعضاء التحالف البالغ عددهم 32 الذين احترموا هذه النسبة.
ومنذ ذلك الحين، وصل 23 من أصل 32 عضوا في الناتو إلى الوفاء بهذا الهدف، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى التهديد الروسي. لكن دونالد ترامب لا يزال غير راض. ففي مؤتمر انتخابي عقد في ساوث كارولينا في وقت سابق من هذا العام، قال إنه سيسمح لروسيا “بفعل ما تريد” بدول الناتو التي لم تصل إلى هذه العتبة. على الرغم من أنه من المستحيل على الرئيس الأمريكي سحب البلاد من جانب واحد من الناتو – وهو قانون صدر العام الماضي ويشترط موافقة مجلس الشيوخ على مثل هذا القرار – فإن تهديد دونالد ترامب حقيقي، لأنه يشكك في القاعدة الذهبية للتحالف ألا وهي الدفاع المتبادل. يوضح أوسكار وينبرغ: “ليست هناك حاجة لمغادرة التحالف رسميا [لجعله غير فعال – أسرة التحرير]”. “سيكون كافيا لترامب أن يعلن صراحة أنه لن يحترم هذا الالتزام بعد الآن.
ومن الناحية العملية، سيكون هذا بمثابة انسحاب، وبصفته رئيسا، ستكون له السلطة الكافية للقيام بذلك”. وبحسب صحيفة بوليتيكو، فإن الخوف من هذا السيناريو دفع الدبلوماسيين الأوروبيين إلى محاولة إقناع دونالد ترامب ومستشاريه بتخفيف موقفه.
ردود تجارية انتقامية “سريعة وصعبة”
كما يهدد دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على الواردات من أجل إنعاش الاقتصاد الأمريكي. قد تصل هذه الرسوم إلى نحو 60 بالمئة على الصادرات الصينية و10 بالمئة على الصادرات الأوروبية. ولقد حذر الاقتصاديون من أن مثل هذا الوضع يمكن أن يؤدي إلى حرب تجارية حقيقية. وفقا لأوسكار وينبرغ، حتى لو كانت أوروبا تحاول تنويع شراكاتها التجارية، فإنها تظل ضعيفة “في مواجهة شخص لا يمكن التنبؤ بأفعاله في البيت الأبيض”. وليست لدى أوروبا استراتيجية وقائية بقدر ما لديها خطة عمل في حالة الضرورة. تتكون هذه الخطة من الرد بالمثل لإجبار دونالد ترامب على العودة إلى طاولة المفاوضات. وقال دبلوماسي أوروبي كبير لبوليتيكو “سنرد بسرعة وبقسوة”.
على الرغم من تدابير الحماية التي وضعتها أوروبا، يعتقد أوسكار وينبرغ أن فوز دونالد ترامب في الانتخابات سيكون، بصورة عامة، “ضارا جدا” لمؤيدي القارة العجوز من الليبراليين والديمقراطيين.