بقلم: شربل مخلوف
المركزية – في ظل الاعتداءات الإسرائيلية التي لم يسلم من شرّها أي من المناطق اللبنانية، تتوسع رقعة المخاوف من أن تطال الغارات أو القصف مواقع تاريخية وآثارات مصنذفة من الأهم حول العالم، على غرار قلعة بعلبك التي تعتبر من روائع العالم القديم، ومن أكثر الآثار الرومانية عظمة، وتعود إلى أكثر من خمسة آلاف سنة.
أما في قضاء زحلة، وتحديداً في بلدة نيحا، فيوجد مَعبَدان رومانيان شُيِّدا في النُصفِ الثاني من القَرن الأوّل بعد الميلاد، في عَهد الإمبراطور أوغسطس قيصر. المعبد الصغير هو للإله حادارامس، والكبير مَعبَد آلهة الجمال والخَمر أتارغاتيس، وهذا ما تُظهِره الكتابات التي عُثِر عليها في المَعبَد وجِواره.
كذلك لاينسى اللبنانيون قلعة راشيا الموجودة في البقاع الغربي. فهذه القلعة تكتسب دلالاتها الوطنية والجغرافية انطلاقًا من رمزيتها التاريخية كشاهدٍ على صمود الشعب اللبناني وتجذّره بأرضه. فداخل أسوارها احتضنت في العام 1943 رجالات الاستقلال الذين صمدوا في وجه سلطات الانتداب حتى بزغت شمس الحرية والاستقلال. إلى رمزيتها الوطنية تتميّز القلعة بموقعها، إذ تُشرف على حدود الوطن، وجبل حرمون بشموخه ومهابته وقدسيته.
أما في الجنوب، فتتميز قلعة صور بأنها ترمز إلى الطبيعة الصخرية القاسية التي بنيت عليها المدينة. فـ”صور” تعني بالفينيقية “الصخرة”، وكذلك قلعة الشقيف الشاهدة على الحروب على مرّ التاريخ.
إزاء حدّة القصف الإسرائيلي غير المسبوق على لبنان منذ 27 أيلول/سبتمبر الماضي، تتنامى التساؤلات ومثلها القلق والمخاوف. هل تتعرض الآثار إلى القصف الجوي الإسرائيلي المباشر خصوصا أن سلاح الجو لا يتوقف عن شن الغارات غير آبه إلّا بإصابة اهدافه؟ ما هي الضمانات الإسرائيلية بعدم استهدافها؟ وكيف ستتعامل الدولة اللبنانية مع إسرائيل في حال تعرضت هذه الآثار للدمار لا سمح الله؟
تقول الاختصاصية بحماية الارث الثقافي في حالة الطوارىء، رنا دبيسي، أن على الآثار في صور شعار “الدرع الأزرق”. هذا الدرع يعني أن هذه الآثار تحت حماية اتفاقية لاهاي الموقعة في عام 1954. ولبنان موقّع على البرتوكول 1 والبرتوكول 2 ضمن هذه الاتفاقية. وفي العام 2006 لم تتعرض هذه الاثار للإستهداف الاسرائيلي لأن لبنان موقع على هذه الاتفاقية.
وعن الإجراءات التي يجب اتخاذها، تشدد على ضرورة تحرك وزارة الثقافة عبر مناشدة المجتمع الدولي بتطبيق اتفاقية لاهاي، مشيرة إلى أن الدولة لا تستطيع مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، لذلك تبقى الاتفاقيات الدولية هي الضامنة الوحيدة لحماية الآثار.
وتضيف: “من خلال هذه الاتفاقية نمنع إسرائيل من القيام بأي استهداف عسكري للآثار تحت ذريعة وجود مسلحين فيها مثلاً. لذلك نطالب الجيش اللبناني بالكشف عنها وتجنيبها خطر القصف. لكن نشدد على أن لا يكون بداخلها أسلحة أو مسلحين لمنع إستهدافها. وفي حال قامت إسرائيل رغم ذلك بقصفها سنقوم بمقاضاتها أمام المحاكم الدولية كون الدرع الأزرق موجود عليها”.
تستطيع وزارة الثقافة طلب مؤازرة الجيش اللبناني في عمليات الإخلاء والحماية لأن لفوج الأشغال فرقة مدرّبة لحماية الآثار في حالات الطوارىء. فهو الجيش الوحيد المدرّب عربياً للقيام بهذه الأمور حيث أنه تم تدريبه من قِبل جمعية بلادي.
بدوره، يؤكد النائب بلال الحشيمي أن “لبنان يتعامل مع عدو ليس لديه ضوابط وأخلاق في الحرب. بالتالي لن يسأل أبداً عن قصف الآثارات. إن إسرائيل قتلت ما بين 50 و60 ألف شخص في غزة وأسقطت حوالي 100 ألف جريح إضافة إلى وجود عشرات الآلاف تحت الأنقاض”.
ويتمنى الحشيمي أن لا تستهدف إسرائيل الآثارات كونها لا تمثل فقط تاريخ وحضارة لبنان بل تاريخ كل دول العالم، مشيراً إلى أنها لديها رمزية في تاريخ البشرية.
ويختم: “يجب عدم استخدام المناطق التي تحوي آثاراً تاريخية كمنصة لإطلاق الصواريخ، لأن في المقابل سيكون الرد الإسرائيلي مدمراً، حيث أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيعطي الأمر بقصفها وتدميرها بشكل كامل”.


