الجمعة, مارس 21, 2025
17.5 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

لبنان… بلد يخرّج الكفاءات ليشهد هجرتها

الحرة بيروت ـ خاص

لطالما تميّز لبنان بجودة نظامه التعليمي، حيث يرفد سوق العمل سنوياً بآلاف الخريجين المؤهلين في مجالات الهندسة، الطب، المالية والتكنولوجيا. غير أن الأزمة الاقتصادية التي تفجرت في عام 2019 أغلقت أمام هؤلاء الخريجين آفاق المستقبل داخل وطنهم، ما دفع غالبيتهم إلى البحث عن فرص خارجية. ووفقاً لاستطلاعات الرأي التي تجريها الجامعات ومكاتب التوظيف، فإن أكثر من 70% من الخريجين الجدد يخططون للهجرة، ما يؤدي إلى نزيف حاد في الكفاءات يفاقم تدهور الاقتصاد الوطني.

أسباب الهجرة الجماعية: اقتصاد متهاوٍ ومستقبل غامض

تتعدد العوامل التي تدفع الشباب اللبناني المؤهل إلى مغادرة البلاد، ومن أبرزها:

  • سوق عمل متداعٍ: إذ تتعرض الشركات المحلية للإغلاق أو تقلّص عملياتها، ما يقلل من فرص التوظيف.
  • انخفاض الأجور وتراجع القدرة الشرائية: فقدت الليرة اللبنانية قيمتها بشكل حاد، ما جعل الرواتب غير كافية لتأمين حياة كريمة.
  • انعدام الرؤية الاقتصادية: لا توجد خطط حكومية واضحة لإنعاش الاقتصاد أو تحفيز الاستثمار.
  • عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي: يؤثر التوتر السياسي والانقسامات الداخلية بشكل مباشر على مناخ الاستثمار، ويزيد من مخاوف الشباب حول مستقبلهم.

إن هجرة الكفاءات لا تؤدي فقط إلى خسارة رأس المال البشري، بل تحرم لبنان من قدرته على التطور والابتكار، ما يهدد مستقبله الاقتصادي على المدى البعيد.

الرواتب المنهارة وظروف العمل المتدهورة

من أبرز العوامل التي تدفع المهنيين إلى الهجرة، التراجع الحاد في الأجور بعد الانهيار الاقتصادي. قبل الأزمة، كان المهندس أو المصرفي يتقاضى نحو 3000 دولار شهرياً، أما اليوم، فإن الراتب نفسه عند تحويله إلى الدولار الفعلي لا يتجاوز 200 إلى 300 دولار. وأمام هذا الواقع، تحاول الشركات المحلية اعتماد حلول لتقليل الهجرة، مثل:

  • دفع جزء من الرواتب بالدولار الأميركي، لكن ذلك لا يشمل جميع الموظفين ولا يعالج المشكلة جذرياً.
  • اعتماد عقود مؤقتة أو العمل الحر، ما يفقد الموظفين أي ضمانات أو استقرار مهني.
  • تقليص الامتيازات، ما يجعل بيئة العمل أقل جاذبية وأقل قدرة على الاحتفاظ بالكفاءات.

إلا أن هذه الحلول المؤقتة لم تنجح في كبح نزيف الهجرة، حيث يفضّل الكثيرون البحث عن فرص عمل في الخارج تضمن لهم رواتب عادلة وظروف عمل مستقرة.

قطاعات تعاني من نزيف الكفاءات

تضررت العديد من القطاعات الحيوية في لبنان نتيجة هجرة الكفاءات، وعلى رأسها:

  • القطاع الطبي: شهدت المستشفيات نزوحاً جماعياً للأطباء والممرضين، ما أدى إلى تراجع جودة الخدمات الصحية وزيادة الضغط على الكوادر المتبقية.
  • الهندسة والتكنولوجيا: تواجه شركات التكنولوجيا تحديات كبرى، حيث تضطر إما إلى تقليص أعمالها أو نقل نشاطها إلى الخارج، ما يدفع المهندسين إلى البحث عن فرص في دول الخليج وأوروبا وأميركا الشمالية.
  • القطاع المصرفي والمالي: مع تقلّص وظائف القطاع المصرفي، يتجه خبراء المال والاستثمار نحو أسواق أكثر استقراراً، مثل دبي وباريس.
  • التعليم والبحث العلمي: تعاني الجامعات من هجرة أساتذتها بسبب تدني الرواتب وضعف التمويل البحثي، ما يجعل الأكاديميين يبحثون عن فرص في الخارج.

وجهات الهجرة الأكثر استقطاباً للبنانيين

يتوزع المهاجرون اللبنانيون في عدة وجهات، من أبرزها:

  • دول الخليج (الإمارات، السعودية، قطر): تقدم رواتب مغرية وعقوداً جذابة، خصوصاً في الهندسة والمالية والطب.
  • أوروبا (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا): تسهّل الجاليات اللبنانية المنتشرة في هذه الدول عملية اندماج القادمين الجدد، مع توفر فرص عمل في المجالات التكنولوجية والعلمية.
  • أميركا الشمالية (كندا، الولايات المتحدة): تستقطب هذه الدول أصحاب الكفاءات عبر برامج هجرة خاصة توفر فرصاً مهنية مغرية.

كيف يمكن وقف نزيف العقول؟

لوقف هذا النزيف المستمر في الطاقات الشابة، يجب اتخاذ إجراءات سريعة لتحسين بيئة العمل المحلية، ومن أبرز الحلول المقترحة:

  • خلق حوافز لجذب الكفاءات: تقديم تسهيلات ضريبية للشركات التي توظف الخريجين الجدد، ودعم رواد الأعمال عبر منح تمويل للمشاريع الناشئة.
  • إصلاح الأجور وضبط العملة: تحديد حد أدنى للأجور يتناسب مع التضخم، والسماح بدفع الرواتب بالدولار في القطاعات ذات القيمة العالية.
  • تحفيز الاستثمار في القطاعات الواعدة: تطوير مجالات تكنولوجيا المعلومات والطاقة المتجددة والقطاع الزراعي، وجذب الاستثمارات الأجنبية لدعم قطاعي التعليم والبحث العلمي.
  • تشجيع عودة المغتربين: تقديم عقود عمل محفزة وآمنة للعائدين، وإقامة شراكات مع شركات عالمية لخلق فرص عمل محلية.

مستقبل مظلم بدون إصلاحات جذرية

لبنان على مفترق طرق حاسم، إذ يواجه خطر فقدان ثروته البشرية بشكل دائم. ومع استمرار غياب الإصلاحات، سيبقى الشباب المؤهلون يغادرون البلاد، ما يترك البلد يعاني من نقص حاد في المهارات الحيوية، ويجعل إعادة البناء أكثر صعوبة. وحدها الإجراءات العاجلة لضمان بيئة عمل عادلة ومستقرة يمكن أن تمنع هذا النزيف البشري وتعيد الأمل إلى الأجيال القادمة.

https://hura7.com/?p=46170 

 

الأكثر قراءة