وليد المحب*
جريدة الحرة ـ بيروت
لكي يتحقّق الوعي الجَمعي، لا بدّ مِنَ التجانس بين أبناء المجتمع، فغياب التجانس فيما بين أبناء المجتمع، يكبح النمو الطبيعي للوعي الثقافي الجَمعي.
وكما أنَّ المشاعر السلبية غيّبت الوعي لدى غالبية اللبنانيين، كذلك نجد أنَّها مع الوقت غيّبت التجانس، وبدوره، ساهم غياب التجانس بإذكاء وتأجيج المشاعر السلبية لتنبثق مشكلة مِن مشكلة، ثمّ راحت المشكلتان تتواتران في النفوس.
كنتيجة حتميّة لرداءة الدستور، تعاملَت الدولة اللبنانية مع إنسانها كإبن طائفة بموجب “العيش المشترك”، ما أدّى إلى تفتيت المجتمع وإضعافه؛ ولو أنَّ الدولة تعاملت مع إنسانها كإبن وطن بموجب “العيش الواحد”، لكان التنوّع مصدر غنًى وثراء.
مِن جهة أخرى، يخطئ مَن يعتقد أنَّ الأديان هي سبب النزاعات في لبنان، بل إنَّ الجهل هو مفتاح الشرور، وهو السبب الأساس في النزاعات وفي استمرارها. فالجهل يبرّر العنف الذي بدوره يخلق بيئةً مجتمعيةً قابلةً للتضليل، ثالوث يعزّز بعضه بعضًا، جهلٌ وعنفٌ وتضليل.
إزاء كل ذلك، مِن مشاعر سلبية وانعدام التجانس وانتشار الجهل والعنف والتضليل، لم يكن مستغربًا أن تنتشر روح المناكفة بين جميع اللبنايين، وأن يغيب الشعور بالانتماء، وأن تضيع الهويّة وتتراكم الخيبات.
هناك علاقة أخذ ورد بين السياسة والبيئة التي تعمل فيها؛ ذلك أنَّ علم السياسة يؤتي أكله على أكمل وجه في بيئة تسودها المحبّة والرغبة في التعاون، كما أنَّ هكذا بيئة بدورها تَنتج عن سياسات سليمة.
لقد جاء انتشار الكراهية والكيدية في لبنان عامًّا وشاملًا، على مستوى الممسكين بالسلطة كما على مستوى عامّة الشعب، حتى صار عِلم السياسة والعقلية اللبنانية على طرفي نقيض؛ فإذا كان عِلم السياسة يطرح حلاً لكل مشكلة، فإنَّ العقلية اللبنانية باتت معطوبةً إلى درجة أنّها تُقحِمُ مشكلةً في كلّ حلّ محتمل، وفي هكذا بيئة عقلية شديدة السوء يتمدّد العقل الأغبى، وينكفئ العقل الأوعى.
* مؤسس جمعية صون حق التعبير