الثلاثاء, أبريل 29, 2025
21.2 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

لبنان بين جمود النخبة السياسية وطموحات التغيير

الحرة بيروت ـ خاص

على مدى عقود، حافظت الطبقة السياسية اللبنانية على قبضتها على السلطة، مستفيدة من إرث الحرب الأهلية والتوازنات الطائفية والتدخلات الإقليمية. ومع تعمق الأزمة الاقتصادية والمؤسسية غير المسبوقة التي يمر بها لبنان، باتت هذه الطبقة تواجه رفضاً شعبياً متزايداً، عبّرت عنه انتفاضة 2019، التي شكلت نقطة تحول في العلاقة بين الشعب وحكامه. ومع ذلك، وعلى الرغم من المطالب الواسعة بالتغيير، لا تزال إعادة هيكلة السلطة محكومة بقيود سياسية وطائفية تعيق ولادة بديل سياسي حقيقي.

الطبقة السياسية التقليدية والتحديات البنيوية للتغيير

شهدت احتجاجات 2019 مطالبات بإصلاح شامل للنظام السياسي، مدفوعة بحالة من الغضب العام تجاه الفساد والمحسوبية وعجز الدولة عن توفير أبسط الخدمات. إلا أن الانتخابات النيابية الأخيرة، التي كان يُفترض أن تعكس هذا السخط، لم تؤدِّ إلى تغييرات جوهرية، حيث احتفظت الأحزاب التقليدية بسيطرتها على مفاصل الدولة، ما عرقل صعود جيل سياسي جديد قادر على إحداث تحول حقيقي.

يُعد النظام الطائفي في لبنان العقبة الأولى أمام التغيير، إذ يرسّخ وجود القوى السياسية التقليدية من خلال توزيع النفوذ والمناصب على أساس طائفي، ما يمنح الزعامات السياسية قدرة متجددة على التحكم بالموارد الاقتصادية والاجتماعية. كما أن القوى السياسية الناشئة المنبثقة عن انتفاضة 2019 واجهت صعوبة في التنظيم، بسبب غياب قيادة موحدة وتباين الاستراتيجيات، وهو ما أضعف قدرتها على مواجهة الأحزاب الراسخة التي استعادت تماسكها عبر شبكاتها الزبائنية.

إضافة إلى ذلك، فإن النخب السياسية التقليدية تحكم قبضتها على النظام الانتخابي والمؤسسات الرسمية، حيث صُمِّمت القوانين الانتخابية لضمان إعادة انتخاب نفس الوجوه، فيما تظل الحملات الانتخابية مرهونة بتمويل يُسيطر عليه السياسيون التقليديون، ما يصعّب على القوى الجديدة المنافسة بفعالية.

التدخلات الخارجية والشلل السياسي

يُعتبر لبنان ساحة صراع بين قوى إقليمية ودولية تسعى للحفاظ على نفوذها عبر دعم النخب السياسية القائمة. وهذا الواقع يجعل أي محاولة لتغيير جذري في المشهد السياسي تصطدم بمصالح هذه القوى التي ترى في الإصلاح تهديداً لتوازناتها الاستراتيجية. وهكذا، تُعرقل أي محاولات جدية لإعادة تشكيل المشهد السياسي اللبناني عبر وسائل ضغط سياسية واقتصادية، ما يبقي التركيبة السياسية الحالية على حالها.

جيل سياسي جديد: أمل التغيير بين الطموح والتهميش

ورغم هذه التحديات، برزت شخصيات سياسية جديدة خلال السنوات الأخيرة، مستمدة شرعيتها من الحراك الشعبي والمجتمع المدني. بعض هؤلاء تمكنوا من دخول البرلمان، ما شكل ثغرة في جدار الاحتكار السياسي التقليدي، إلا أن وجودهم ظل محدوداً أمام تحالفات القوى التقليدية التي تتحكم بآليات صنع القرار.

يواجه هذا الجيل الجديد من السياسيين معضلة افتقاره إلى الخبرة في إدارة الدولة، ما جعله عرضة للإقصاء والتهميش في المؤسسات الرسمية. كما أن غياب رؤية موحدة واستراتيجية مشتركة بين القوى الإصلاحية أدى إلى تراجع تأثيرها، ما سهل على الأحزاب التقليدية إعادة بسط نفوذها وإحباط أي محاولات لتغيير حقيقي.

الإعلام: سلاح مزدوج في معركة التغيير

يلعب الإعلام دوراً مزدوجاً في هذه المعركة السياسية. فبينما منحت بعض الوسائل الإعلامية مساحة للقوى الجديدة، عملت أخرى، خاضعة لنفوذ الأحزاب التقليدية، على تشويه صورتها، والتشكيك في كفاءتها، ما حدّ من قدرتها على استقطاب دعم شعبي واسع. وبما أن الرأي العام اللبناني لا يزال متأثراً بالإعلام التقليدي، فإن هذا الواقع يشكل عقبة أخرى أمام انتشار خطاب التغيير.

إن بروز وجوه سياسية جديدة في المشهد اللبناني مؤخراً عبر تشكيل الحكومة يمثل بارقة أمل للتغيير، لكنه لا يزال غير كافٍ لاختراق بنية السلطة الراسخة منذ عقود. فالمؤسسات مقفلة أمام أي محاولات إصلاحية، والنظام الانتخابي مصمم للحفاظ على الوضع القائم، فيما تواصل القوى الإقليمية فرض أجنداتها عبر دعم الطبقة السياسية التقليدية. أمام هذا الواقع، يجد الشباب اللبناني نفسه أمام خيارين: إما المواجهة المستمرة لإحداث تغيير تدريجي، أو الهجرة بحثاً عن مستقبل أفضل، وهو ما يزيد من استنزاف لبنان لقدراته البشرية.

في ظل هذا الانسداد السياسي، يبقى السؤال المطروح: هل سيتمكن الجيل الجديد من كسر الحلقة المفرغة والعبور بلبنان نحو مرحلة سياسية جديدة، أم أن البلاد ستظل رهينة لنخبة سياسية متقادمة ترفض مغادرة المشهد؟

https://hura7.com/?p=44966

الأكثر قراءة