الأربعاء, مايو 21, 2025
14.5 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

لبنان بين فكي الفساد والأمل المستحيل

انتخابات بلا حوكمة... وشعب بلا خيار

جريدة الحرة

بقلم: المحامي الدكتور جاد طعمه، أستاذ مادة سوسيولوجيا واقتصاديات الفساد في كلية الحقوق / الفرع الفرنسي – الجامعة اللبنانية

وطن يدفع ثمن انتفاء العدالة

لبنان حامل لقب “سويسرا الشرق” في ستينيات القرن الماضي بات اليوم أشبه بجيفة سياسية واقتصادية يتنازع عليها ذئاب الفساد من أمراء الحرب الذين أصبحوا بفعل قانون العفو العام الصادر سنة 1991 رجالاً للدولة. مع كل استحقاق انتخابي – نيابياً كان أو بلدياً – تتعمق جراح المواطنين ويزداد إحباطهم. فالمطلوب عنوة بقرار محلي ودولي هو تحويل العرس الديمقراطي إلى سوق لترميم شرعية نظام أنتج دولة عميقة مكوّن من أعضاء نادي سياسي متحالف ومتعاضد تمكّن من بناء ثروات خاصة في حين أفلست الدولة مالياً وأخلاقياً.

سرقة ودائع الناس لا تزال من دون محاسبة مع إصرار على تحميل المودع والدولة – وهما الحلقة الأضعف – أجزاء من المسؤولية، ولعلّ الطموح في تحميلهما المسؤولية كاملة. وجريمة انفجار مرفأ بيروت تواجه مسعى طمر العدالة فيها في البحر تماماً كما طمرت النفايات. وحرب العام 2024 باتت مساحة لابتزاز الشرفاء على مآدب اللئام والخونة مع اتفاق هجين لوقف إطلاق النار يخجل المفاوض والموافق من الإعلان عن بنوده صراحة للجمهور وسط طموحين: الأول مسعى دائم لحماية المنهوب من المال العام المهرّب إلى البنوك في الخارج؛ أما الثاني فرهان على تكديس إضافي للأموال من خلال الهبات ومشاريع الإعمار المتوقعة والتي تُدار بالعمولات في بورصة ارتهان القرار السياسي.

هكذا يجد المواطن اللبناني نفسه رهينة انتخابات هي أقرب إلى مسرحية مليئة بالكوميديا السوداء والمشاهد العبثية: أحزاب السلطة توزّع الأدوار، والإعلام يُهندس وعي الناخبين و”التغييريون” حالمون متفرقون مضحكون يتصارعون على فتات المنصات الإعلامية ويبحثون على بطولات وهمية لدى إقرار قانون إصلاحي مفروض بالعصا الأميركية الغليظة.

الفساد “دينامو” النظام… لماذا فشلت كل الاستحقاقات؟

الفساد في لبنان لم يعد مجرد “ظاهرة”، بل بات نظام حكم يقوم على ثلاث ركائز: الأولى اقتصادية إذ إن غالبية عقود إعادة الإعمار منحت سابقاً في لبنان لشركات وهمية ترتبط بالزعماء الطائفيين وفقاً لآلية التحاصص التي ترعاها مبادئ الديمقراطية التوافقية؛ الثانية قضائية حيث تبحث السلطة هناك عن استقلالية في النصوص وتنسى أن لا قيمة للنص إن غاب المرتجى في النفوس، وكفى بموضوع الودائع دليلاً ساطعاً على ما نقول وحفلات زجل وسيف وترس داخل لجان نيابية “تتقيّأ” مشاريع من صلب مشاريع في دوامة لا تنتهي في حفلات سلطوية فلكلورية فيها إصرار على نحر العدالة؛ أما الثالثة تمثيل شعبي مزيف يحمي فاسدي الداخل من الزائرين والموفدين والمبعوثين والرؤساء، فرغم كل الخراب والدمار لا يزال المجلس النيابي محافظاً على نفس الوجوه ونفس الأكثرية رغم الإيحاء بتوافر النية بإتاحة المجال للتجديد، ومن يعاين سلوكيات الجدد يترحم على ارتكابات القدامى.

الحل هنا يكون بتطبيق القوانين الاصلاحية التي تم إقرارها وعلى رأسها قانون حق الوصول الى المعلومة وتفعيل دور الهيئة الوطنية لمحاربة الفساد دون إغفال قانون الإثراء غير المشروع الذي تسقط بموجبه كافة الحصانات.

“التغييريون”… إصلاح بلا شفافية أم فساد بأقنعة جديدة؟

صراع يستجد في لحظة ديمقراطية مفصلية، ساعة انتخاب المجالس المحلية والبلديات في مختلف المناطق اللبنانية. صراع بين جمعية “كلنا إرادة”، وبين قناة MTV التي خاضت حروباً ومعارك مع رموز الدولة العميقة وتعاطفت مع الموجة التغييرية. لكن هذا الصراع، وفي هذا التوقيت بالذات، يصب في مصلحة من؟

الإعلام اللبناني أداة جديدة قديمة معتمدة بكفاءة لا مثيل لها للابتزاز والتشويه، وبدلاً من التركيز على آليات محاسبة المال السياسي وفهم الخلفيات التي تأتي بالإعلانات والدعايات إلى سائر المحطات، كان هناك إصرار على شخصنة الخلاف وتحويله إلى حملة ممنهجة ضد قوى التغيير دون تمييز بين الصالح والطالح. وكأن رجال السلطة في الدولة العميقة باتوا من جنس الملائكة الأطهار وباتت المشكلة، كل المشكلة، في نواب التغيير الشياطين الأشرار.

الموضوعية تفترض أن يكون هناك قانون ملزم لجميع من يتعاطى في الشأن العام بالكشف عن مصادر التمويل، تماماً كما تفرض ذلك اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي صادق عليها لبنان. حينها يصبح من يريد إصدار الأحكام في أي نزاع سببه المال حكماً عادلاً قادراً على التمتع بالرؤية والبصيرة من دون عاطفة منحازة إلى أي من الأطراف المتصارعة في لحظات ديمقراطية تفترض الوحدة. وكفى أن تصبح شعارات “الإصلاح” في لبنان مجرد سلعة تُباع الى المواطنين في أسواق النوايا الحسنة.

الانتخابات البلدية 2025… عودة إلى مربع الطائفية الأسود

يبدو أننا نعود إلى إنتاج المحاصصة الطائفية، وما مشروع القانون الذي أراد البعض تمريره في ليل مظلم في انتخابات بلدية بيروت إلا خير دليل. في حين تغيب الرؤى التنموية، فلم نعاين مشروعاً جدياً على امتداد الوطن يتحدث عن وجوب دمج التكنولوجيا في إدارة المجالس المحلية لمعالجة الأزمات البيئية ومشاكل إنتاج الطاقة، رغم نجاح نماذج متعددة لـ”البلدية الذكية” في اليونان وجنوب أفريقيا، علماً أنه كان هناك محاولة للاستفادة من هذه التجربة في بلدية جزين بتمويل من الاتحاد الأوروبي، ليبقى خيار الناس محصوراً بين السيء والأسوأ أو بين النسيب والقريب. انتخابات المجالس البلدية والاختيارية يفترض أن تكون مدرسة للديمقراطية فيها تمهيد للانتقال إلى تقصير عمر النظام الطائفي، وهو العنصر الغائب رغم أنه الأكثر أهمية.

لا يمكن أن يبقى لبنان الذي صدّر الحرف للعالم قابعاً في كهوف البيروقراطية الورقية، فيما يستمر تعطيل العمل بقوانين عصرية تضم، في أضعف الإيمان، المعاملات والعقود الإلكترونية التي لا يجب أن تكلف المواطن ثروة لاعتمادها، والعمل بها خاصة إذا ما تم تفعيل قانون المعاملات الإلكترونية الذي أبصر النور في العام 2018 وغابت عن تطبيق أحكامه الإلزامية وبشكل متعمّد بعض المحاكم.

الأمل بالتغيير وجه من أوجه “المقاومة”

يمتلك الشعب اللبناني أدوات القرن الحادي والعشرين، لكن حكامه لا يزالون في دهاليز وأقبية الأنظمة العائدة للقرن التاسع عشر. غير أننا لن نفقد الأمل. فثورة 17 تشرين الأول 2019 كان وقودها شباب لبنان، والرهان سيبقى على جيل الشباب، والأمل سيبقى في العملية التراكمية للوعي الجماعي الذي لا بد وأن يفرض اعتماد الشفافية والحوكمة الرشيدة في مختلف القطاعات الرسمية والخاصة. وهناك بصيص أمل يأتي من انكشاف الطبقة الحاكمة في لبنان أمام المجتمع الدولي الذي بات يراقب الارتباط بين شبكات الفساد العابرة للحدود.

يبقى علينا أن نتمتع بإيمان ويقين تام بأن النظام الطائفي ليس قدراً ولا علاقة له بعقيدة أو بدين المواطن، فالدين لله أما الوطن فللجميع. لا بدّ من تحويل الانتخابات – حتى الفاشلة منها – إلى منصة لتكديس الغضب الشعبي من هذا النظام الطائفي البغيض. عسى أن نعاين الانفجار السلمي الكبير.

https://hura7.com/?p=51581

الأكثر قراءة