الثلاثاء, أبريل 29, 2025
16.4 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

لبنان بين مطرقة الداخل وسندان الإقليم: هل حان وقت المصارحة؟

الحرة بيروت ـ خاص

على مراقب الأوضاع في لبنان ألّا يغفل حقيقة أن المعاناة لا تقتصر على اختلالات داخلية إنما – وبدرجة لا تقل أهمية – هي ترتبط أيضاً بـ”الصراع – المخاض” الدائر حول حاضر الشرق الأوسط وهويته المستقبلية.

نسلّم جدلاً بأن الإقليم مفتوح على احتمالين نقيضين (الحرب الموسعة أو التسوية الشاملة) وما بينهما من حلول جزئية أو مجتزأة تديم الاختلالات وتضارُب المشاريع إلى حين تدقّ الساعة. وهي جميعها احتمالات سوف ترخي بظلالها (الخفيفة والثقيلة) على لبنان بلا أدنى شك. لكن الأخير، بأزماته المتفاقمة مالياً واقتصادياً و – أولاً وقبل كل شيء – كيانياً، وبمناعته شبه المعدومة، لا يمتلك ترف الانتظار.

مفهوم أن الجماعات اللبنانية تعيش منذ وُجدت – مداورة ومزامنة – هواجس الغلبة والتهميش والأدوار المنقوصة. لكن المفهوم أيضاً أن لا إمكانية لأي جماعة بعينها أن تمسك بتلابيب الأمور إلى غير رجعة، ولا مصلحة لأي جماعة بذاتها في البحث عن أدوار خارج الـ”لبنان” هذا، على علّاته.

كيف السبيل، إذاً؟ أولاً، التعلم من دروس الماضي القريب والبعيد (والشواهد كثيرة على ضفّتَي خيبات أوهام الانتفاخ والتحكم)؛ وثانياً، إدراك أن لبنان ليس سوريا أو العراق أو أي دولة أخرى تكبره مساحة بأضعاف وترتسم فيها معالم ديمغرافية وجغرافية تدغدغ أحلام التحرّر من الكيان الجامع والتقوقع في كيانات فرعية ذات هويات طائفية، مذهبية و/أو عرقية. على الجماعات اللبنانية، والحال كذلك، أن تعي أن الخارج – أي خارج – إنما يتقاطع معها، كلياً أو جزئياً، ويقوّيها قدر تعلّق الأمر بمصالحه الجيو – استراتيجية (ومتفرعاتها الطائفية والمذهبية و/أو العرقية، بالطبع).

وهذه ليست دعوة إلى اللبنانيين للانسلاخ عن المحيط – الذي يجب التفاعل معه كعمق تاريخي ومتنفّس اقتصادي – بقدر ما هي إشارة لضرورة النظر إلى الداخل والبحث عن الحلول في طياته. صحيح أن ثمة الكثير مما يميّز الجماعات اللبنانية الواحدة عن الأخرى (وفي ذلك، لمن ينظر إلى نصف الكوب الملآن كاسراً حواجز الخوف، دليل غنى وتنوّع يمكن أن يُبنى عليه إذا ما نُظر إليه بإيجابية). لكن الصحيح أيضاً أن الجوامع كثيرة هي الأخرى. وليس هناك ما يُبرز الجوامع ويطمس التمايزات أكثر من الاتفاق – ولو بالحد الأدنى – على الانتقال من كنف التفكير المناطقي والمذهبي والطائفي، الممزوج بنكهة الكارتيلات القابضة على الأعناق، إلى رحاب محاولة (ونقول محاولة لأن النتائج ليست مضمونة، لكنها جديرة بالسعي خلفها) إعلاء مفاهيم المواطنية والمساواة وتكافؤ الفرص (تحت قبة دولة مدنية/ديمقراطية وعلى أساس عقد اجتماعي عادل ومتوازن) فوق أي اعتبار آخر.

فأي حل آخر من خارج هذه المنطلقات لم ولن يأتي على البلاد سوى بالوبال. هذا نظرياً، بالطبع. لكن هل هناك في الواقع أرضية صلبة للبناء عليها كما أسلفنا؟ ثمة شكوك جمة تحوم حول الإجابة، للأسف، كون معظم الجماعات لا زالت ترى الماضي والحاضر والمستقبل من منظار الداخل “المختلف” وشياطينه والخارج “المشابه” وأولوياته. لكن مع ذلك، على اللبنانيين – شعباً لا حكاماً – أن يتحلوا بالمسؤولية، رافعين من منسوب وعيهم، ويختاروا بسرعة (وإن يكن استفتاءً) أي “لبنان” يريدون والضغط على أصحاب القرار، تماشياً، بدل انتظار مآلات ما يحدث (أو لا يحدث) من حولهم.

المهمة شائكة، بلا ريب. إنما حان بالفعل وقت المصارحة المتخففة من أي تلطّ أو رياء أو مواربة.

https://hura7.com/?p=47832

الأكثر قراءة