الأحد, نوفمبر 9, 2025
21.4 C
Beirut

الأكثر قراءة

إصدارات أسبوعية

لبنان على صفيح ناري: مقامرة السلاح ومعادلة الانسحاب!

محمد عبد اللطيف

 

جريدة الحرة ـ بيروت

في منعطفٍ حاد من التاريخ اللبناني، يبدو أن “بلاد الأرز” تعود إلى المشرط من جديد؛ مشرط التفاوض لا الحرب، لكنه مشرط لا يقلّ ألمًا ولا خطرًا. هذه المرة، لا الحديث عن تشكيل حكومة أو إصلاح عملة، بل عن قلب المعادلة التي حكمت لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية: سلاح “المقاومة” مقابل كيان الدولة، أو بتعبير آخر، البندقية مقابل السيادة.

في دهاليز السياسة، يدور الآن ما يشبه رقصة توازن دقيقة بين ثلاثة أطراف: الحكومة اللبنانية، وحزب الله، والدولة العبرية. وكل طرف يجرّ الحبل باتجاهه، لكن الحبل ذاته يبدو موصولًا بخيوط نار.

الملف الثقيل: حزب الله في مرمى العاصفة

لم يعد الحديث عن نزع سلاح حزب الله مجرد أمنية دولية أو مطلبًا داخليًا معارضًا، بل تحوّل إلى ورقة تفاوضية تُطرح الآن على الطاولة بشكل رسمي، وتُدار بعناية، وربما بقلق، في الغرف المغلقة داخل بيروت.

الحكومة اللبنانية أقرّت صيغة تنقل فيها كل منظومة السلاح غير النظامي – وتحديدًا سلاح حزب الله – إلى كنف الجيش، مع إعادة هيكلة أمنية شاملة، ورعاية دولية تتعهد بضمان الاستقرار.

الرئيس جوزف عون، الذي يفترض البعض أنه يقف في منتصف المسافة بين التوازن الوطني والانفتاح الإقليمي، يقود هذا المسار مستندًا إلى دعم فرنسي – أميركي غير معلن، وإلى تململ داخلي يزداد من عسكرة الحياة السياسية، وسط أزمة اقتصادية طاحنة جعلت من لبنان دولة معلّقة بين الجوع والانفجار.

الحزب الصامت… والمنقسم

الضاحية الجنوبية تلتزم صمتًا حذرًا. لكن خلف الجدران، يدور سجال داخلي بين جناحين داخل الحزب: الأول يرى في التطورات فرصة لخروج مشرّف من معادلة الصراع، يحفظ للحزب مكانته دون سلاحه، والثاني يتمسك بخيار “السلاح كضمانة وجود”، في ظل انعدام الثقة التاريخية مع إسرائيل.

لكن الواضح أن الحزب لا يُمانع مناقشة طرح “السلاح مقابل الانسحاب الكامل”، بشرط أن تكون التسوية شاملة: تشمل مزارع شبعا، إطلاق سراح الأسرى، وقف الغارات الجوية، وضمانات أمنية مكتوبة – لا شفوية – من واشنطن وتل أبيب.

إسرائيل: انسحاب بشروط مشددة

في تل أبيب، ثمّة تهيئة إعلامية لانسحاب محتمل من الجنوب اللبناني، ضمن صفقة مشروطة بتفكيك القدرات العسكرية لحزب الله، وخصوصًا الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة.

لكنّ المخاوف لا تغيب: هل نزع السلاح هو نهاية النفوذ الإيراني، أم إعادة تدويره عبر السياسة والتعليم والخدمات؟

السؤال الذي يشغل العقل الأمني الإسرائيلي هو: من سيملأ الفراغ؟ وهل تتحول الضاحية إلى “رام الله ثانية”، أم إلى “طهران ناعمة”؟

وساطة أميركية وصفقة كبرى قيد الطهي

في الكواليس، تقود الولايات المتحدة وساطة صامتة، تضع على الطاولة خطة تتألف من أربعة محاور:

  • انسحاب إسرائيلي كامل من الجنوب
  • نقل سلاح حزب الله الثقيل إلى الجيش
  • إعادة هيكلة أمنية شاملة
  • تعهّد أميركي بعدم تنفيذ هجمات مستقبلية على لبنان

وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين قبل أسابيع لم يكن خطوة إنسانية معزولة، بل جزء من هندسة أوسع لتسوية إقليمية متعددة المسارات.

سوريا… شقيق الظل وحارس النفوذ

هنا، لا يمكن فصل المشهد اللبناني عن المرآة السورية. دمشق تراقب عن كثب، وتتحسّس عمق الانعكاسات. فسوريا التي خرجت نسبيًا من دائرة القرار اللبناني بعد انسحابها العسكري عام 2005، لا تزال تملك خيوطًا أمنية وشبكات تأثير في بيروت، وبعضها يمرّ عبر حزب الله نفسه.

أي تفكيك للمعادلة الأمنية اللبنانية سيمتدّ صداه إلى الداخل السوري، وقد يعيد رسم التوازنات التي تتهيّأ اليوم بين روسيا، وإيران، والعرب، في معركة إعادة الإعمار والشرعية السياسية.

اتفاقات أبراهام… الشبح الزاحف

في الخلفية، يلوح مشروع “اتفاقات أبراهام” كغواية استراتيجية لجرّ لبنان إلى الحياد الدبلوماسي، أو إلى أقل تقدير، إلى تخفيض عدائه التاريخي لإسرائيل.

ففي خريطة السلام الأميركية، لبنان هو الثغرة الوحيدة المتبقية على حدود إسرائيل الشمالية.

جرّه إلى المعسكر “الإبراهيمي” قد يُشكّل نصرًا دبلوماسيًا مدهشًا لواشنطن وتل أبيب، وهزيمة ناعمة لإيران، دون أن تُطلق رصاصة واحدة.

صوت الداخل: الخوف والرهان

في الداخل اللبناني، لا أحد مطمئن.

التيارات المسيحية والليبرالية ترى في نزع السلاح خطوة باتجاه الدولة المدنية المنشودة، بينما تخشى فصائل أخرى من فراغ أمني قد يتحول إلى فرصة ذهبية لعودة الميليشيات، أو لتحول الجيش إلى هدف مباشر لأي عدوان.

الجيش نفسه، رغم احترافيته، لا يملك الغطاء السياسي الموحد، ولا القدرات التقنية لاحتواء سيناريوهات التفكك أو العدوان المباغت.

أخيرًا… مقامرة أم معجزة؟

لبنان أمام منعطف أخير في لعبة الروليت الإقليمية: إما صفقة تحفظ الحد الأدنى من الكيان وتُنهي حربًا باردة استمرت لعقود، أو انفجار جديد قد لا تنفع بعده وساطات ولا بيانات.

قد تكون هذه اللحظة شبيهة بما جرى في كامب ديفيد، أو وادي عربة، أو أبو ظبي… لكن الجغرافيا هنا أكثر هشاشة، والهويات أكثر تشظيًا، والخرائط لا تُرسم بالحبر وحده، بل بالدم والانتظار.

المعادلة ليست سهلة، لكنها لحظة لا تتكرر كثيرًا في التاريخ.

إما أن يكتب اللبنانيون مستقبلهم بأيديهم، أو يُكتب عنهم… من الخارج، وبمدادٍ لا يرحم…

كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية

https://hura7.com/?p=63434

الأكثر قراءة