الأربعاء, مايو 21, 2025
14.5 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

لبنان على مفترق جديد: نهاية “حرب الإسناد” وبداية مرحلة الحُكم المشروط

جريدة الحرة

دخل لبنان مرحلة انتقالية دقيقة، وُضعت معالمها بعد انتهاء “حرب الإسناد” التي خاضها حزب الله نيابةً عن إيران، في مواجهة غير مباشرة مع إسرائيل. وقد أرست هذه الحرب معادلة جديدة: وقف العمليات العسكرية مقابل تسوية سياسية داخلية تشمل انتخاب رئيس للجمهورية، تشكيل حكومة، وإعادة تفعيل المؤسسات الدستورية.

لكن هذه التسوية لم تكن ثمرة توافق داخلي، بل نتيجة ميدانية لشلّ قدرات الحزب العسكرية بفعل الضربات الإسرائيلية، ما فرض عليه الانكفاء والقبول بشروط لم يكن راغباً بها، من ضمنها التراجع عن دوره المسلح والقبول بالدولة كمرجعية وحيدة.

الرئيس اللبناني الجديد، في خطاب القسم الذي ألقاه عقب انتخابه، أعلن صراحة أن الدولة ستعود لتكون الجهة الوحيدة المخوّلة امتلاك السلاح، بما ينسجم مع القرارات الدولية، وعلى رأسها تلك التي تدعو إلى نزع سلاح حزب الله وسائر التنظيمات المسلحة، اللبنانية وغير اللبنانية، على كامل الأراضي اللبنانية.

وقد تبنّى البيان الوزاري للحكومة هذه الرؤية، رغم وجود وزراء محسوبين على محور إيران، ما اعتُبر خطوة جريئة. إلا أن المجتمع الدولي، الذي يتبنى حالياً دعم الحكم اللبناني الجديد، لا يزال يراقب بحذر تنفيذ هذه الالتزامات، معتبراً أن استعادة السيادة اللبنانية مرهونة بتفكيك المنظومة العسكرية التابعة لإيران وتحرير القرار الوطني من وصايتها.

اختبار جدّية الدولة في فرض سيادتها

منذ اللحظة الأولى لانتهاء العمليات العسكرية، أوضحت إسرائيل رفضها للواقع الجديد على الأرض اللبنانية عبر تأخير انسحاب قواتها والإبقاء على خمس نقاط عسكرية قرب الحدود، في رسالة مفادها أنها لا ترى في الحكم اللبناني الجديد شريكاً قادراً أو مؤهلاً بعد لفرض سيادة كاملة على أراضيه. هذا التطور كان يفترض أن يشكل جرس إنذار للقيادة اللبنانية للانطلاق بخطوات حاسمة في اتجاه بسط سلطة الدولة.

ففي حين تسعى الدول الراعية للتسوية إلى اختبار جدّية الدولة اللبنانية في استعادة المبادرة وإثبات قدرتها على التعافي الذاتي، يبدو أن بعض الأطراف الإقليمية، ومنها إسرائيل، تُبقي أوراق ضغط ميدانية لمنع قيام نموذج لبناني مستقل قد يُلحَق بمعسكر الدول السيدة ضمن مشروع “الشرق الأوسط الجديد”.

في هذا السياق، بات لزاماً على رئاسة الجمهورية والحكومة اللبنانية التعامل بواقعية مع هذه اللحظة المفصلية عبر تبني خطة تنفيذية واضحة تبدأ بملف السلاح غير الشرعي، وإنهاء مفهوم “الساحة المفتوحة” الذي رُسّخ منذ أكثر من نصف قرن. المطلوب هو وضع جدول زمني ملزم لتسليم السلاح المنتشر خارج إطار الشرعية، ورفعه إلى اللجنة الخماسية المعنية بتنفيذ وقف إطلاق النار، باعتبار أن نزع السلاح يشكل القاعدة الأولى لأي استقرار دائم.

أما الانجرار مجدداً إلى منطق المشاورات والتسويات والحوارات المفتوحة، فلن يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج الجمود والفوضى، وسيحكم على لبنان بالفشل في اللحاق بمسار التعافي الإقليمي، ويُبقيه رهينة الانقسامات والتبعية.

دون خطوة حاسمة باتجاه فرض السيادة الكاملة، لا عودة للنازحين، ولا إعادة إعمار، ولا ثقة دولية أو استثمارات، ولا حتى التزام فعلي من أبناء الاغتراب. فالبلد الذي يعجز عن كسر قيود ماضيه، سيبقى عرضة للتهميش على خارطة المنطقة الجديدة.

جوهر الأزمة يتمثّل في غياب قرار واضح من الدولة اللبنانية بجمع السلاح غير الشرعي بقوة القانون. فالدولة ما زالت ترتهن لانتظار مبادرة طوعية من حاملي هذا السلاح، رغم أن القرار الفعلي بشأنه يعود إلى خارج الحدود، وتحديداً إلى النظام الإيراني عبر الحرس الثوري. وهنا تكمن المعضلة: فطالما لم تتخذ الدولة قراراً حاسماً، وترسم خارطة طريق تنفيذية واضحة، فإنّ المراوحة ستبقى سيّدة الموقف.

المطلوب اليوم ليس انتظار تبدّل مواقف الخارج، بل اتخاذ قرار لبناني سيادي مُلزم لكل المكونات السياسية والمسلّحة، لأن مسألة السلاح هي مسألة كيان: إمّا أن تكون هناك دولة سيّدة وحصرية في قراراتها، أو لا تكون. وعليه، فإنّ أولوية الحكومة يجب أن تتركّز على استعادة القرار الأمني والعسكري، تمهيداً للانتقال إلى مرحلة إعادة الإعمار والتنمية وتثبيت الاستقرار المؤسسي.

 

https://hura7.com/?p=52332

 

 

الأكثر قراءة