الأحد, نوفمبر 9, 2025
21.4 C
Beirut

الأكثر قراءة

إصدارات أسبوعية

لبنان ـ مفترق طرق بين “صفقة ترامب” و”الانهيار الكبير” ، استراتيجية الإصلاح بالقوة 

جريدة الحرة بيروت

بقلم علي خليل ترحيني

يمر لبنان بلحظة جيوسياسية غير مسبوقة، تزامنت فيها التطورات الداخلية مع أجندة أمريكية-إسرائيلية متكاملة، تهدف إلى إعادة هندسة المشهد الأمني والسياسي في المشرق العربي. في ظل هشاشة سياسية داخلية وضعف عسكري لـ”حزب الله” عقب الصراع الأخير، تبرز خطة أمريكية متعددة المراحل كأداة للضغط، تدمج بين “الترغيب الاقتصادي” و”التهديد العسكري”، لفرض “الاستقرار المشروط” على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية. هذه المقاربة لا تقدم تسوية عادية، بل هي استراتيجية “الإصلاح بالقوة” التي تستغل “لحظة الضعف” اللبنانية الحالية.

التصور الأمريكي: عزل المسارات وتثبيت “التحالف المشروط

السياسة الأمريكية لم تعد تقتصر على الاحتواء، بل أصبحت عملية متدرجة للإصلاح بالقوة (Coercive Reform)، تستغل الإضعاف العسكري لـ”حزب الله” على يد إسرائيل، ووجود قيادة لبنانية جديدة “متفائلة”. تنظر الإدارة الأمريكية، بقيادة الرئيس ترامب، إلى لبنان على أنه مسار يجب عزله عن التوترات الإقليمية الكبرى، وتحديداً بعد إطلاق المرحلة الأولى من اتفاق غزة. الهدف ليس الاستقرار اللبناني لذاته، بل تحييد الجبهة الشمالية لإسرائيل وضمان مصالح الطاقة البحرية.

تتبلور الرؤية الاستراتيجية الأمريكية عبر خطة المبعوث الأمريكي توم باراك، التي وافقت الحكومة اللبنانية الجديدة على أهدافها. هذه الخطة تقوم على أربع ركائز متداخلة:

أولاً: الشرط السياسي والشرعية: يتمثل في استغلال وصول قيادة لبنانية جديدة (الرئيس جوزيف عون ورئيس الوزراء نواف سلام) ذات مصداقية دولية، لكسر هيمنة المحاصصة وإثبات قدرة الحكومة على اتخاذ قرار مصيري مثل تكليف الجيش بوضع خطة لنزع السلاح. هذا يقدم غطاءً شرعياً للمطالب الأمريكية-الإسرائيلية بـبسط السيادة الحصرية للدولة على قرار الحرب والسلم.

ثانيا: الشرط الأمني ونزع السلاح: يشمل “الإنهاء التدريجي للوجود المسلح” لـ”حزب الله” على كامل الأراضي اللبنانية (جنوب وشمال الليطاني)، بالتزامن مع نشر الجيش اللبناني ودعمه دولياً. ويتم ربط هذا التنفيذ بـانسحاب إسرائيل التدريجي من النقاط الخمس المحتلة في الجنوب، لتأكيد أن الصفقة هي تبادل أمني- سيادي.

ثالثاً :  الترغيب الاقتصادي والـ”رشوة الاستراتيجية”: ويتمثل في الوعد بعقد مؤتمر اقتصادي دولي وإطلاق مشروع “منطقة ترامب الاقتصادية” في الجنوب. الهدف من هذه المنطقة ليس مجرد التنمية، بل هو تغيير هوية الجنوب من جبهة مقاومة إلى منطقة استثمارية، مما يشكل “إغراء وظيفي” لسكان الجنوب لتقويض “الشرعية القتالية” للمقاومة، وضماناً أمنياً للحدود.

التصور الإسرائيلي: الردع الشامل وتثبيت الحدود

إسرائيل، بعد تجربة الصراع الأخير ونجاحها في إضعاف “حزب الله”، ترى أن اللحظة مثالية لـتصفير العداد على الجبهة الشمالية بشكل جذري. التحركات الإسرائيلية تتمثل في الاحتفاظ بـالنقاط الخمس المحتلة في الجنوب واستخدامها كورقة ضغط، وتصريحات بالاستعداد للحرب في حال فشل الدبلوماسية.

هذا يضع الكرة في الملعب اللبناني: إما نزع السلاح أو مواجهة عسكرية جديدة. إن الهاجس الأمني وتأمين العودة الآمنة للمستوطنين يمثل الأولوية المطلقة التي لا يمكن تحقيقها بتهدئة مؤقتة. ترى إسرائيل أن مشروع “منطقة ترامب الاقتصادية” يخدم مصالحها الأمنية العليا؛ إذ يحول المنطقة الحدودية إلى منطقة مراقبة دولية-أمريكية أو اقتصادية منزوعة السلاح، مما ينهي وجود “حزب الله” العسكري الفعال قرب الحدود دون الحاجة لاحتلال إسرائيلي مباشر ومكلف.

التحليل العميق للتطورات يضع لبنان أمام سيناريوهات مستقبلية دقيقة. إن مصير البلاد يتأرجح بين مفاوضات ضاغطة ومكثفة وبين خطر التصعيد العسكري المفاجئ.

مؤشرات المستقبل: شبح الحرب ومصيدة الجنوب

التحليل العميق للتطورات يضع لبنان أمام سيناريوهات مستقبلية دقيقة. إن مصير البلاد يتأرجح بين مفاوضات ضاغطة ومكثفة وبين خطر التصعيد العسكري المفاجئ، بناءً على المؤشرات التالية:

أولا: خطر اندلاع حرب وشيكة: الخطر مرتفع جداً إذا تم الوصول إلى المرحلة الرابعة من الخطة الأمريكية (نزع الأسلحة الثقيلة)، ورفض “حزب الله” التفكيك الطوعي. إسرائيل لن تقبل بتهديد الصواريخ والطائرات المسيرة كواقع دائم، وستجد في فشل الدبلوماسية مبرراً لـحرب واسعة النطاق لفرض الأمر الواقع على الحدود. إن القرار الإيراني هو المفتاح: هل ستتم التضحية بـ”حزب الله” كجزء من صفقة كبرى مع إدارة ترامب حول الملف النووي، أم سيتم المضي قدماً في المواجهة؟ المؤكد أن الانتهاء من اتفاق غزة لا ينهي التهديد الإقليمي، بل قد يركز على جبهة لبنان.

ثانياً :  مصيدة “منطقة ترامب” وارتباطها بالطاقة: مشروع “منطقة ترامب” هو في جوهره أداة أمنية للسيطرة على المنطقة الحدودية. إذا نجح، سيؤدي إلى تقويض سيادة الدولة في المنطقة الحدودية لصالح وصاية اقتصادية-أمنية، وإنشاء منطقة عازلة وظيفية. إذا فشل، سيتحول إلى نقطة اشتعال للحرب القادمة، هذا التنافس الأمني يتقاطع بوضوح مع ثروة النفط والغاز في المياه الإقليمية.

إن تأمين استخراج الطاقة يتطلب استقراراً مضموناً على الحدود البرية والبحرية، مما يجعل “المنطقة الاقتصادية” وسيلة لضمان مصالح القوى الكبرى وتثبيت ترسيم الحدود. وعليه، فإن الثروة النفطية قد تتحول إلى نقمة تدفع باتجاه تقسيم نفوذ اقتصادي-أمني في الجنوب.

ثالثاً : مستقبل “حزب الله” والدعم الشعبي: على الرغم من الإضعاف والخسائر، يبدو “حزب الله” ليس في عجلة من أمره، معتمداً على إعادة الإعمار لكسب الدعم الذي فقده، والاحتجاج على الوجود الإسرائيلي المستمر في الجنوب. يظل طرح دمج مقاتليه في الجيش اللبناني حواراً غير واقعي لأنه يخل بالتوازن الطائفي الحساس في المؤسسة العسكرية. ومع ذلك، فإن الإغراء الاقتصادي والتهديد العسكري سيبقيان عاملين رئيسيين في محاولة تفكيك نفوذ الحزب عبر الزمن.

الرهان الأخير على السيادة

يواجه لبنان الآن خياراً صعباً، إما قبول “الاستقرار المشروط” الذي تفرضه الخطة الأمريكية (نزع سلاح مقابل اقتصاد وانسحاب إسرائيلي)، مما يعني تنازلاً عن عقيدة المقاومة ولكن إنقاذاً للاقتصاد والدولة من الانهيار الكلي؛ أو الرفض القاطع، مما سيؤدي على الأغلب إلى حرب إقليمية وشيكة تبدأ بعد تثبيت اتفاق غزة، تدمّر ما تبقى من مقومات الدولة.

إن “التفاؤل” اللبناني الحالي هو في جوهره رهان على القيادة الجديدة بأن تستغل هذا التوقيت للتحول من دولة وظيفية إلى دولة ذات سيادة. يجب على الحكومة اللبنانية توظيف الدعم الدولي لدفع خطة الجيش بسرعة، وتحويل الضغط الخارجي إلى قرار داخلي لبسط سيادة الدولة على كامل الحدود، لتجنب أن يصبح مصير الجنوب رهناً بالصراع الإقليمي أو مصيدة “الوصاية الاقتصادية” على حساب مصالح لبنان.

https://hura7.com/?p=68039&preview_id=68039

الأكثر قراءة