الجمعة, فبراير 14, 2025
0.4 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

لبنان في عين العاصفة: أزمة مالية خانقة وإصلاحات مؤجلة

الحرة بيروت

يعيش لبنان أسوأ أزمة مالية في تاريخه الحديث، حيث تجاوزت ديونه العامة 150% من الناتج المحلي الإجمالي، في ظل انهيار غير مسبوق للإيرادات الضريبية وعجز متفاقم في الموازنة العامة. منذ إعلان الدولة اللبنانية عن تعثرها في سداد ديونها عام 2020، فقدت إمكانية الوصول إلى الأسواق المالية الدولية، ما دفعها إلى اللجوء إلى طباعة العملة المحلية لتمويل نفقاتها، وهو ما أدى إلى تفاقم التضخم ليصل إلى مستويات غير مسبوقة. في الوقت نفسه، تعرقل الخلافات السياسية والإصرار على المصالح الفئوية تنفيذ الإصلاحات الضرورية التي يشترطها صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الأخرى، ما يهدد بانهيار الدولة بالكامل. فما هي السيناريوهات المطروحة لإنقاذ لبنان؟ وما أبرز الإصلاحات المطلوبة لإعادة الثقة بالاقتصاد اللبناني؟

أزمة الإيرادات الضريبية والحاجة إلى إصلاح مالي شامل

يعدّ تدني العائدات الضريبية من أبرز المشكلات التي تعاني منها المالية العامة اللبنانية، حيث تعاني البلاد من تهرب ضريبي واسع النطاق، وانتشار اقتصاد غير رسمي غير خاضع للضرائب، وإدارة ضعيفة لنظام الجباية. وتشير الإحصاءات إلى أن أقل من 10% من الشركات والأفراد يدفعون ضرائبهم فعلياً، بينما تتمتع النخب المالية والاقتصادية بإعفاءات غير مبررة، ما يستنزف خزينة الدولة. ومن أجل إصلاح النظام الضريبي، يجب اتخاذ عدة إجراءات رئيسية:

  • توسيع القاعدة الضريبية: يقتصر العبء الضريبي حالياً على العاملين في القطاع الرسمي، بينما تتهرب العديد من الشركات الكبرى والمهن الحرة من دفع الضرائب. لذا، فإن تشديد الرقابة واتخاذ تدابير صارمة لمكافحة التهرب الضريبي أمر حتمي.
  • فرض ضرائب تصاعدية على الثروات الكبرى والشركات الأكثر ربحاً: يمكن أن يحقق فرض ضرائب على الأرباح المصرفية والدخل المرتفع إيرادات إضافية للدولة.
  • إصلاح ضريبة القيمة المضافة: تتسم هذه الضريبة بعدم العدالة، حيث تثقل كاهل الطبقة الوسطى والفقيرة أكثر من غيرها. وبالتالي، يمكن إعادة هيكلتها لتخفيف العبء عن السلع الأساسية وزيادته على المنتجات الكمالية والمعاملات المالية.
  • رقمنة النظام الضريبي: يمكن أن يساعد تطبيق نظام جباية إلكتروني في الحد من الفساد وزيادة الشفافية في تحصيل الإيرادات.

إصلاح الإنفاق العام: تقليل الهدر وتعزيز الفعالية

تعاني المالية العامة من تضخم غير مبرر في الإنفاق، حيث تُستنزف الميزانية من خلال الرواتب الضخمة للقطاع العام، والدعم غير الفعّال للسلع الأساسية، وسوء إدارة الموارد. ومن أبرز الإصلاحات المطلوبة:

  • إعادة هيكلة الوظائف العامة: يضم القطاع العام اللبناني أكثر من 400,000 موظف، وهو رقم ضخم مقارنة بحجم الاقتصاد والخدمات التي يقدمها. لذا، فإن تقليص عدد الموظفين غير المنتجين واعتماد نموذج إداري أكثر كفاءة أصبح ضرورة.
  • إلغاء الدعم العشوائي واستبداله بالدعم الموجّه: لا يزال الدعم الحكومي للوقود والكهرباء وبعض السلع الأساسية يشكل عبئاً كبيراً على خزينة الدولة، فيما يستفيد منه الأغنياء أكثر من الفقراء. لذا، يجب اعتماد آليات دعم تستهدف الفئات الأكثر احتياجاً فقط.
  • محاربة الفساد وتعزيز الشفافية: يُعدّ الفساد الإداري والمالي من أكبر المشاكل التي تعيق تقدم البلاد. ويحتاج لبنان إلى تدقيق شامل في النفقات الحكومية، مع فرض رقابة صارمة على صرف الأموال العامة.

إعادة هيكلة الدين العام وإنقاذ القطاع المصرفي

يشكل الدين العام العائق الأكبر أمام أي خطة تعافٍ اقتصادي، حيث تشهد المصارف اللبنانية أزمة سيولة حادة، بينما لا يزال المواطنون عاجزين عن الوصول إلى ودائعهم المجمدة منذ 2019. ومن بين الحلول المطروحة:

  • إعادة التفاوض على شروط الدين العام: يجب التوصل إلى اتفاق مع الدائنين الدوليين لإعادة جدولة الديون وتخفيف عبئها، وذلك بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي.
  • إصلاح النظام المصرفي: يتطلب ذلك إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وفرض خسائر جزئية على المصارف، وإعادة ودائع المواطنين وفق آلية تضمن العدالة والاستقرار المالي.
  • استعادة الثقة في النظام المالي: يجب وضع سياسات نقدية واضحة لوقف تدهور الليرة اللبنانية، ومنع استمرار التضخم المفرط.

خصخصة القطاعات الحيوية: حلّ محفوف بالمخاطر

تُطرح مسألة خصخصة بعض القطاعات الحيوية مثل الكهرباء والاتصالات كإحدى الطرق لتخفيف العبء المالي على الدولة وتحسين الخدمات. لكن تنفيذ الخصخصة بشكل عشوائي دون وضع أطر تنظيمية واضحة قد يؤدي إلى تعميق الأزمة بدلاً من حلها. ولذلك يجب:

  • تحسين أداء المؤسسات العامة قبل خصخصتها: تعاني الشركات الحكومية من سوء الإدارة والفساد، ما يستدعي إصلاحها أولاً قبل التفكير في بيعها للقطاع الخاص.
  • ضمان الشفافية في عمليات الخصخصة: ينبغي أن تُنفَّذ الخصخصة وفق معايير واضحة، مع فرض رقابة تمنع استغلالها من قبل النخب السياسية والمالية.
  • حماية حقوق المواطنين: أي خصخصة يجب أن تضمن استمرار تقديم الخدمات بأسعار عادلة وجودة عالية.

مستقبل لبنان بين الإصلاح والانهيار

لا يملك لبنان ترف الوقت لمواصلة المماطلة. كل تأخير في تنفيذ الإصلاحات يزيد من حدة الانهيار المالي والاقتصادي، ويقرّب البلاد من انفجار اجتماعي غير محسوب العواقب. وحدها الإصلاحات الجذرية، المدعومة بإرادة سياسية حقيقية، يمكنها إعادة لبنان إلى مسار التعافي.

إن المعضلة الكبرى التي تواجه لبنان ليست فقط اقتصادية، بل سياسية بامتياز. فبقاء النخب الحاكمة في مواقعها، واعتمادها سياسات ترقيعية بدلاً من الإصلاحات الحقيقية، لن يؤدي إلّا إلى مزيد من التدهور. ما لم ينجح لبنان في استعادة ثقة مواطنيه والمجتمع الدولي، فإنه سيظل عالقاً في دوامة الأزمات، ما يهدد وجوده كدولة مستقرة وقادرة على تأمين حياة كريمة لمواطنيها.

فهل يستطيع لبنان تجاوز هذه المحنة التاريخية، أم أن مصيره أصبح رهينة سياسات عقيمة ومصالح فئوية؟

https://hura7.com/?p=43377

الأكثر قراءة