الأحد, نوفمبر 9, 2025
21.4 C
Beirut

الأكثر قراءة

إصدارات أسبوعية

لبنان في عيون سائح أجنبي: دهشة الحب والحيرة

يوسف حسينيوسف حسين

 

جريدة الحرة ـ بيروت

جئتُ إلى لبنان بدعوة من صديقٍ تعرفتُ عليه في أوروبا، وكان حديثه الدائم عن بلده يشبه روايات ألف ليلة وليلة: جبال تلامس الغيم، بحر يعانق التاريخ، وناسٌ بكرم لا يُصدّق.

وصلتُ إلى بيروت، تلك العاصمة التي توصف بأنها “باريس الشرق”. وجدت فيها شيئًا مختلفًا: شوارع قديمة تحمل آثار الحروب، ومقاهٍ حديثة تضجّ بالحياة. في النهار، رائحة القهوة اللبنانية تعبق في كل زقاق، وفي الليل، تعزف المدينة موسيقى حنين لا يفهمها إلا من عاشها.

زرتُ جبيل، مدينة الفينيقيين، مشيت في أسواقها الحجرية، التقطت صورًا للقلعة القديمة، وجلستُ على صخرة البحر أستمع لصوت الأمواج. ثم انتقلتُ إلى بعلبك، وانبهرتُ بعظمة الأعمدة الرومانية، وقفتُ مذهولًا أمام إرثٍ عمره آلاف السنين، وما زال صامدًا رغم الإهمال.

لكن، خلف كل هذا الجمال، كان هناك حزنٌ لا يُقال. الكهرباء تنقطع باستمرار، الطرقات تفتقر للصيانة، والناس يتكلمون عن “الدولار” أكثر من أي عملة رأيتها في حياتي. ومع ذلك، لم أسمع أحدًا يشكو من قسوة العيش إلا بابتسامة ممزوجة بالسخرية. وكأنهم يقولون لي: “نحن نحب الحياة رغم كل شيء”.

في الجنوب، أكرمني فلاحون بخبز التنور وزيت الزيتون. وفي الشمال، شربتُ الشاي في بيوتٍ لم أعرف أصحابها، لكنهم عاملوني كواحدٍ من العائلة. كل لبناني التقيته كان يملك حكاية، وكل حكاية كانت تستحق أن تُروى.

سأعود من لبنان وأنا أحمل في ذاكرتي بلدًا صغيرًا بحجم الخريطة، لكنه عظيمٌ بحجم المشاعر. فيه تناقضات لا تنتهي: الفقر بجانب الفخامة، الغضب بجانب الطيبة، الدمار بجانب الأمل.

لبنان ليس فقط بلدًا يراه السائح… بل بلدٌ يشعر به.

https://hura7.com/?p=57221

الأكثر قراءة