الحرة بيروت ـ خاص
يواجه لبنان أزمة اقتصادية خانقة تتفاقم مع استمرار هروب الاستثمارات ورأس المال، ما يعمّق التحديات المالية التي تعصف بالبلاد منذ عام 2019. في عام 2024، خسر لبنان ما يقارب 3.2 مليار دولار من الاستثمارات، وفق تقديرات اقتصادية، في مؤشر خطير على انعدام ثقة المستثمرين المحليين والدوليين بالاقتصاد اللبناني. وقد أدى هذا الاتجاه إلى تعليق مشاريع استثمارية ضخمة، مثل مشروع افتتاح فرع لمجموعة “ماجد الفطيم” في بيروت، وتأجيل الاستثمارات العقارية لـ”جهاز قطر للاستثمار”، نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتردية.
منذ عام 2019، يشهد القطاع المصرفي اللبناني حالة من الشلل التام، مع تبخر ودائع كانت تقدر بـ170 مليار دولار، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي. فقد كشفت الأزمة عن أن 70% من أصول البنوك غير قابلة للاسترداد، حيث تبخرت في قروض للحكومة أو في مصرف لبنان. القيود المصرفية المشددة، مثل التعميم رقم 158 الذي فرض سقوفاً صارمة على السحب بالدولار، دفعت المودعين إلى فقدان الثقة بالنظام المصرفي. ونتيجة لذلك، شهدت الليرة اللبنانية انهياراً حاداً، لتفقد أكثر من 90% من قيمتها في السوق السوداء، ما أدى إلى تضخم غير مسبوق وهروب رؤوس الأموال.
يواصل المستثمرون نقل أموالهم إلى وجهات أكثر استقراراً مثل تركيا وأوروبا. ووفق تقارير اقتصادية، فإن شخصيات اقتصادية بارزة نقلوا استثماراتهم إلى الخارج، مستفيدين من مناخ استثماري أكثر أماناً. وتؤكد مصادر اقتصادية أن هذه الهجرة المالية ليست وليدة اللحظة، بل نتاج سياسة نقدية متخبطة وغياب الإصلاحات البنيوية. القيود المصرفية الصارمة، مثل فرض رسوم تصل إلى 15% على المعاملات بالدولار، زادت من معاناة المستثمرين، ما دفعهم إلى تحويل أصولهم إلى أسواق بديلة.
إلى جانب هروب رؤوس الأموال، تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل ملحوظ. فقد علّقت “مجموعة ماجد الفطيم” خططها الاستثمارية، وأجل “جهاز قطر للاستثمار” مشاريعه العقارية، ما يعكس بيئة اقتصادية غير مستقرة. كما أن الشركات المحلية تعاني من شحّ التمويل، في ظل قيود مصرفية متزايدة، ما أدى إلى إغلاق العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تشكل نحو 90% من المؤسسات الاقتصادية في لبنان. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر، حيث تشير التقديرات إلى أن أكثر من 80% من السكان يعيشون تحت خط الفقر.
يتطلب وقف نزيف رؤوس الأموال وإعادة جذب الاستثمارات إصلاحات جذرية تشمل توحيد سعر الصرف، وإجراء تدقيق مالي شفاف للمصارف، وإعادة رسملة مصرف لبنان. كما أن استعادة الثقة تحتاج إلى استقرار سياسي، وهو ما يبدو بعيد المنال في ظل استمرار الشلل المؤسساتي، رغم انتخاب رئيس للجمهورية. دون خطوات إصلاحية واضحة، فإن لبنان مهدد بالتحول إلى سوق عالي المخاطر، ما قد يطيل أمد أزمته الاقتصادية لسنوات طويلة.
يواجه الاقتصاد اللبناني تحديات غير مسبوقة تتطلب حلولاً عاجلة تعيد ثقة المستثمرين وتوقف نزيف رأس المال. ورغم أن الأوضاع تبدو قاتمة، إلا أن الفرصة لا تزال قائمة في حال تبنّت الحكومة الجديدة إصلاحات حقيقية، مدعومة بجهود دولية، لاستعادة الاستقرار المالي والاقتصادي. في غياب ذلك، سيبقى لبنان في دوامة من الأزمات، مع ازدياد عزلة اقتصاده على الساحة الدولية.