الحرة بيروت
عاش لبنان فترة صعبة من الحروب المختلفة تركت آثارًا عميقة على النسيج الاجتماعي والبنية الاقتصادية والسياسية. ومع انتهاء الحرب، برزت الحاجة إلى معالجة تداعياتها والتطلع نحو مستقبل يسوده السلام والتنمية المستدامة. وكان من أبرز التداعيات: تفكك النسيج الاجتماعي، زيادة التوترات الطائفية والمذهبية، تدمير البنية التحتية، تفشي البطالة والفقر، ضعف الثقة بالمؤسسات الحكومية، وتعقيدات النظام السياسي الطائفي.
فما هي السياسات والتدابير التي تتطلبها إعادة بناء لبنان؟
- إزالة الفتنة الطائفية من خلال خطة شاملة تجمع بين الإجراءات السياسية والاجتماعية والثقافية لتفكيك النظام الطائفي الذي يعزز الانقسامات، وبناء مجتمع يرتكز على الهوية الوطنية المشتركة.
- تعزيز الهوية الوطنية المشتركة عبر تنظيم حملات إعلامية واجتماعية لتعزيز الهوية اللبنانية الجامعة بعيدًا عن الانتماءات الطائفية. إضافة إلى إدخال مواد تعليمية تُبرز تاريخ لبنان كوطنٍ لجميع أبنائه، مع التركيز على القيم الإنسانية والتسامح. ناهيك عن تنظيم لقاءات مستمرة بين قادة الأديان والطوائف لتشجيع التفاهم والاحترام المتبادل.
- دعم المنظمات التي تعمل على تعزيز الحوار بين الطوائف في المجتمعات المحلية، ومعالجة الآثار النفسية والاجتماعية الناجمة عن الحرب من خلال إنشاء برامج لدعم المصالحة الوطنية. كما العمل على وضع خطة واضحة لتغيير النظام السياسي الذي يقوم على المحاصصة الطائفية من خلال تعزيز قوانين تضمن حقوق المواطنة المتساوية للجميع دون تمييز.
- تطبيق قوانين انتخابية تضمن تمثيل جميع المواطنين بناءً على برامج سياسية لا طائفية وتشجيع الأحزاب ذات الطابع الوطني الشامل بدلًا من الطائفي.
- تنظيم الخطاب الإعلامي من خلال وضع قوانين تحظر نشر خطاب الكراهية الطائفية وتشجيع الإعلام على تسليط الضوء على قصص النجاح المشتركة التي تعكس وحدة اللبنانيين. ومن الضروري تأسيس قنوات وإذاعات تروّج للوحدة والتسامح بدلًا من الانقسام. كذلك دعم الفنون والمهرجانات الثقافية التي تجمع مختلف مكونات المجتمع اللبناني.
- تقليل الفوارق المناطقية والاستثمار في جميع المناطق اللبنانية بشكل عادل لتقليل الشعور بالظلم أو التهميش الذي يغذّي الطائفية. ذلك لأن بناء اقتصاد مستدام يعني توفير فرص عمل متكافئة ويخفف من الضغوط الاجتماعية التي تؤدي إلى التوترات الطائفية.
إن إزالة الفتنة والطائفية ليست عملية سهلة، لكنها ممكنة في حال توفر إرادة سياسية قوية، وإصلاحات هيكلية، وتعاون بين جميع مكونات المجتمع اللبناني. هذه الخطوات ستساهم في بناء لبنان على أسس السلام والتضامن والوحدة الوطنية.
كيف يمكن القيام بتنمية اقتصادية ناجحة في لبنان بعد وقف الحرب مع إسرائيل؟
لتحقيق تنمية اقتصادية ناجحة في لبنان بعد الأحداث الأخيرة التي شهدها، يجب التركيز على استثمار الفرص الناتجة عن الاستقرار السياسي النسبي، حيث يمكن بناء خطة تنمية شاملة ترتكز على ما يلي:
- تعزيز الاستقرار السياسي والأمني وتعزيز سلطة الحكومة المركزية لتوحيد القرار الوطني. ويكون ذلك من خلال تجريد الفصائل من السلاح، وضمان بقاء القوة العسكرية تحت إدارة الجيش اللبناني فقط، كما تحسين العلاقات مع دول الجوار والمجتمع الدولي وطلب الدعم الدولي لإعادة الإعمار والتنمية.
- إعادة بناء البنية التحتية وتأهيل الطرقات والمرافئ ومحطات الكهرباء والمياه المتضررة. كذلك تخصيص ميزانيات للتطوير السريع للمناطق التي تعرضت لأضرار كبيرة خلال النزاع وبناء مساكن منخفضة التكلفة لتأمين الاستقرار للسكان.
- تشجيع الاستثمارات وإنشاء بيئة استثمارية مستقرة عبر تعديل القوانين لتشجيع المستثمرين الأجانب والمحليين. أضف إلى ذلك تقديم حوافز ضريبية للشركات الجديدة المستثمرة في القطاعات الأساسية ودعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة لتعزيز الإنتاج المحلي، كما تحسين الزراعة عبر توفير التكنولوجيا والتمويل للمزارعين.
- الترويج للبنان كوجهة سياحية واستغلال التراث الثقافي والتاريخي والطبيعي لجذب السياح كما تحسين المرافق السياحية والبنية التحتية المرتبطة بهذا القطاع. ناهيك عن إطلاق فعاليات ومهرجانات ترويجية تُعيد جذب السياح وتنعش الاقتصاد.
- محاربة الفساد من خلال تعزيز الشفافية في المؤسسات الحكومية وإنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد ومراقبة الإنفاق العام. كما إعادة هيكلة الديون، والتفاوض مع الدائنين الدوليين لإعادة جدولة الديون أو تقليلها، ووضع قوانين تضمن حقوق المودعين وتحسين إدارة القطاع المصرفي.
- الإنضمام إلى مشاريع اقتصادية إقليمية ما يعزز الاستفادة من مبادرات التنمية التي تُطلقها الدول المجاورة أو المنظمات الدولية، وفتح الأسواق اللبنانية أمام المنتجات الإقليمية، وتصدير المنتجات المحلية إلى الخارج، إضافة إلى نشر التقارير المالية والمشاريع العامة لزيادة الشفافية والمساءلة.
إن التنمية الاقتصادية الناجحة تتطلب استقرارًا سياسيًا وأمنيًا، وإصلاحات جذرية، ورؤية وطنية مشتركة تجمع بين الشعب والدولة. فهل حان الوقت ليستفيد لبنان من موارده الطبيعية والبشرية ومن المساعدات الدولية لإطلاق حقبة جديدة من النمو والازدهار.