الأحد, نوفمبر 9, 2025
21.4 C
Beirut

الأكثر قراءة

إصدارات أسبوعية

لماذا استُبعد خيار الدفاع المشترك في قمة الدوحة؟

محمد سعد عبد اللطيف

 

جريدة الحرة ـ بيروت

منذ توقيع اتفاقية الدفاع العربي المشترك عام 1950، ظلّت هذه الوثيقة تُمثّل نصًا مثاليًا أكثر من كونها مشروعًا واقعيًا. كانت تعبيرًا عن لحظة حماس قومي في بدايات التحرر الوطني، لكنها لم تتحول إلى إطار مؤسسي فاعل. ومع كل قمة عربية، خصوصًا في لحظات التهديد والاضطراب، يُعاد طرح السؤال: لماذا لا يُفعَّل هذا الخيار؟ وفي قمة الدوحة الأخيرة جاء الجواب صامتًا: استُبعد الموضوع من الأساس. هنا لا بد من التوقف عند الأسباب الجوهرية التي جعلت العرب يتخلون – مرة أخرى – عن فكرة الدفاع المشترك.

أولاً: تضارب الأولويات الاستراتيجية

لا يمكن الحديث عن دفاع مشترك من دون بوصلة واحدة تحدد العدو. وهذا ما افتقدته الدول العربية لعقود. فبينما ترى دول الخليج أن الخطر الإيراني هو الهاجس الأول، تعتبر دول أخرى أن الخطر الإسرائيلي هو التهديد الوجودي الحقيقي.

وهناك دول ثالثة، خصوصًا تلك التي عانت من حروب أهلية، تضع الاستقرار الداخلي ومحاربة الإرهاب المحلي فوق أي صراع خارجي. هذا التباين يجعل من المستحيل الاتفاق على “عدو مشترك”، وبالتالي يصبح الدفاع المشترك مجرّد شعار بلا مضمون.

ثانياً: الارتهان للتحالفات الدولية

منذ السبعينيات، وبالأخص بعد حرب أكتوبر 1973، بدأت معظم الدول العربية تعتمد على المظلة الأمنية الغربية.

في الخليج، تشكّلت قواعد أميركية كبرى منذ حرب تحرير الكويت 1991، وأصبحت الضامن الأول لأمن هذه الدول.

مصر دخلت في شراكة استراتيجية مع واشنطن بعد “كامب ديفيد”.

دول أخرى أقامت علاقات أمنية مع روسيا أو فرنسا أو بريطانيا.

هذا الارتهان للتحالفات الدولية جعل أي محاولة لبناء منظومة دفاع عربي تبدو وكأنها “ترف سياسي”، بينما القرار العسكري الحقيقي يُصاغ في العواصم الكبرى.

ثالثاً: غياب الثقة البينية

التاريخ العربي المعاصر مليء بالأمثلة التي أضعفت الثقة بين الأنظمة:

  • قمة بغداد 1990، التي سبقت غزو الكويت، كشفت عمق الانقسام العربي. لم تتمكن الدول من بلورة موقف موحد رغم وضوح الخطر، بل انقسمت بين مؤيدة ومعارضة، مما أدى لاحقًا إلى استدعاء قوات أجنبية لتحرير الكويت.
  • في الحرب الأهلية اللبنانية، تدخلت جيوش عربية متباينة، بعضها دعم طرفًا ضد آخر، مما عمّق الانقسام بدل أن يعزز الوحدة.
  • في الحرب على اليمن (منذ 2015)، ظهر “التحالف العربي” بشكل محدود لكنه سرعان ما انقسم داخليًا بين أجندات متناقضة.
  • أما في الأزمة السورية، فقد وجدنا دولاً عربية تدعم المعارضة وأخرى تقف مع النظام، في مشهد يعكس غياب الحد الأدنى من التوافق.

هكذا، تحولت الساحة العربية إلى ميادين اصطفاف متعاكس، ما جعل أي دعوة لدفاع مشترك تبدو أشبه بالخيال.

رابعاً: الأولوية للاقتصاد لا للسلاح

تعيش المنطقة اليوم مرحلة انتقالية مع مشاريع اقتصادية كبرى:

  • “رؤية 2030” في السعودية.
  • مشاريع البنية التحتية العملاقة في الإمارات وقطر.
  • خطط إعادة الإعمار في العراق وسوريا وليبيا (ولو على الورق).

هذه المشاريع تتطلب بيئة مستقرة لجذب الاستثمارات، وليست بحاجة إلى مغامرات عسكرية. لذا باتت الحكومات تفضل “التهدئة” و”التوازن” على الانخراط في منظومة دفاعية قد تجرها إلى حروب ليست في صالحها.

خامساً: الخشية من الالتزامات العسكرية

الدفاع المشترك لا يعني فقط إصدار بيانات، بل يقتضي:

  • إرسال قوات عسكرية للدفاع عن دولة شقيقة إذا تعرضت لهجوم.
  • تحمّل أعباء مالية ضخمة لتغطية العمليات.
  • مواجهة غضب الرأي العام الداخلي الذي قد يتساءل: لماذا يُقتل أبناؤنا في معركة ليست معركتنا؟
  • التجارب المريرة السابقة جعلت الأنظمة العربية حذرة جدًا من الانخراط في التزامات لا يمكن التحكم في نتائجها.

سادساً: غياب الرؤية المؤسسية

رغم مرور أكثر من سبعين عامًا على توقيع اتفاقية الدفاع المشترك، لم يتم تأسيس:

  • قيادة أركان عربية موحدة.
  • قوات جاهزة للتدخل السريع.
  • غرفة عمليات مشتركة تعمل على مدار الساعة.
  • بالمقابل، نرى حلف الناتو – الذي تأسس في الفترة نفسها تقريبًا – قد تحول إلى مؤسسة عسكرية متكاملة بآليات واضحة. بينما بقيت الاتفاقية العربية حبراً على ورق، يُذكر عند الضرورة وينسى عند أول اختبار.

أمثلة تؤكد الفشل البنيوي

  • غزو الكويت 1990: لم تتمكن الدول العربية من منع اجتياح صدام للكويت، ولم تنجح في تشكيل جبهة عسكرية لتحريرها. بل استُدعي الناتو والولايات المتحدة، وهو ما عكس عجز العرب عن حماية أنفسهم.
  • حرب لبنان 2006: انقسم العرب بين داعم للمقاومة ومتهم لها بالمغامرة، ولم يتحرك أي جيش عربي بشكل مشترك.
  • الأزمة السورية واليمنية: كانت أشبه بمختبر لفشل العمل العربي المشترك، حيث انخرطت كل دولة في أجندة خاصة بها.

قمة الدوحة: عودة إلى المربع الأول

في هذا السياق التاريخي، لم يكن غريبًا أن تتجنب قمة الدوحة حتى الحديث عن الدفاع المشترك. فالزعماء يعرفون أن أي نقاش جدي سيكشف عمق الانقسام. لذا كان الخيار الأسهل هو الاكتفاء ببيانات سياسية، تحافظ على الحد الأدنى من التضامن اللفظي، وتترك الأبواب مفتوحة للتدخلات الخارجية.

خلاصة

إن استبعاد خيار الدفاع المشترك في قمة الدوحة ليس خطأ بروتوكوليًا أو مجرد تفصيل ثانوي، بل هو انعكاس لحقيقة النظام العربي:

  • انقسام استراتيجي حول العدو.
  • تبعية للتحالفات الدولية.
  • غياب الثقة بين الأنظمة.
  • أولوية الاقتصاد على الأمن.
  • فشل في بناء مؤسسات عسكرية مشتركة.

لقد أصبح الدفاع المشترك “طيفًا تاريخيًا” يُستدعى في الخطابات ولا وجود له على الأرض. السؤال الذي يبقى مفتوحًا: هل يمكن للعرب أن يبنوا يومًا ما مظلة أمنية مستقلة تحميهم من عواصف الخارج وصراعات الداخل، أم سيظل مصيرهم مرهونًا بحلفاء الخارج؟

كاتب وباحث في الجيوسياسة والصراعات الدولية

https://hura7.com/?p=67370

الأكثر قراءة