بشارة شربل
جريدة الحرة ـ بيروت
من حظ المتمسكين بـ”عيد المقاومة والتحرير” مصادفتُه عطلةَ الأحد وإلا لأصابه ما واجهَه قرار ميقاتي وبري العشوائي تقديمَ الساعة في رمضان قبل الماضي.
ومنعاً لشقاق مستقبلي، يُستحسَن أن تَشطبَ الحكومة “المقاومةَ” و”عيد التحرير” ليصير اسم المناسبة “ذكرى 25 أيار” بلا فائض معانٍ ومدلولات. فالكل يعلم أن كلمة “المقاومة” منفِّرة لشدة ما استخدمها “الثنائي” مطيّة لابتزاز المؤسسات واللبنانيين، فيما انقلب “عيد التحرير” شعوراً لبنانياً مريراً بالتحرر من ربقة “حزب الله”.
لا عاقل ينكرُ على “حزب الله” تضحياته في مواجهة الاحتلال، لكن يجب تذكيره على الدوام بأن شجاعة جورج حاوي ومحسن ابراهيم أطلقت المقاومة الوطنية التي صادرها بالحديد والنار، فوَسَّمها بالطائفية واستتبعها لدمشق وطهران… هذا الكلام، لا نقوله اليوم لحزب تُرزِحُه وثيقة استسلام، بل قلناه مع كثيرين عقب التحرير حين كانت أنيابه بارزة للعيان.
لم يَسقُط الحزب فجأة في ورطة “حرب الإسناد”، بل بفعل أخطاء استراتيجية لم ترتكبها قبله مقاومات. أهمُّها رفضه الانضواء في الدولة عقب التحرير، وتحويله شبعا إلى “مسمار جحا” يبرر احتفاظه بالسلاح خدمةً لأطماع طهران ولكذبة “التوازن الاستراتيجي” التي اخترعها الأسد الأب وتحولت في عهد نجله الفهلوي صبراً جميلاً لاستعادة القدس، لكن بعد الارتواء من “مكابس” العار.
صحيح أننا لا نستطيع إعادة الزمن إلى الوراء. لكنَّ “حزب الله” ضيَّع على نفسه والشيعة ولبنان 25 عاماً كان يمكنها تعويض حروبنا في الربع الأخير من القرن العشرين. فلنتصوَّر مثلاً أنه لم يستدرج عدوان تموز 2006 بعملية “توقيت خاطىء” أعقبت تصيُّد “حماس” جلعاد شاليط وتعرُّضَ غزة لانتقام عملية “أمطار الصيف”. ولنتخيَّل أن رفيق الحريري لم يُفجَّر، وأن سليم عيّاش لم يُدَن في لاهاي، وأن الحزب كان شريكاً مسالماً في النظام. لو حصل ذلك لما نُكِبنا مثلاً بعودة ميشال عون من باريس ولا شهدنا احتلال بيروت “المجيد” في 7 أيار ولا الاعتصام المقيت لجماعة 8 آذار جنب السراي.
وما دمنا في الأحلام، فحبذا لو لم نعش سلسلة الاغتيالات ولم ينخرط السيد نصرالله في حرب بشّار ضد شعبه، ولا انهارت عملتنا وسُرقت الودائع بفعل تواطؤ المافيا المصرفية مع المنظومة الفاسدة الخاضعة للحزب وهيمنة إيران.
لو أن الحزب “صلّى على النبي” عقب التحرير قبل 25 عاماً لضمّ قدراته إلى الجيش وتمكنّا بالدبلوماسية المستندة إلى الحق والدولة السيدة، من تحرير مزارع شبعا أو على الأقل دفعَ دمشق لحسم تبعيتها للقرار 242 أو 425 والتصرف على هذا الأساس. أما ثالثة الأثافي فهي قرار “الحزب” السير في ركاب “طوفان الأقصى” ويحيى السنوار، وهو ما أورَدَه التهلكة وكلَّف بيئته ولبنان آلاف الضحايا ومليارات الدولارات.
ما تقدَّم ليس تخيلات. هي أحداث كنا بغنى عن حدوثها لولا أن المقاومة تحولت أداة في يد “الحرس الثوري” وعاملَ إغراق للدولة والاقتصاد بحجة “وحدة الساحات”.
مهما تبدَّلت الأحوال، يبقى 25 أيار تاريخاً مشرقاً ومشرِّفاً لكل لبنان. ولأن “الثنائي” أظلَمَه واستباح معناه، يحقُّ لنا المطالبة بتحويله حتى إشعار آخر مجرَّد تاريخ وذكرى… ولنبدأ من العنوان.