DWـ يشدد الرئيس الجديد للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، عبد الصمد اليزيدي، على ضرورة ترسيخ المسلمين وجودهم في المجتمع الألماني.
واليزيدي رجل في الـ49 من العمر، وهو الرئيس الجديد للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا (ZMD). وضمن هذا السياق قال: “نحن نرى أنفسنا كمسلمين ألمان”. وقد انتُخب مؤخراً بنسبة تأييد بلغت 81 بالمائة ليتولى منصب الرئيس، علماً بأنَّه شغل هذا المنصب بشكل مؤقت منذ صيف عام 2024 لدى استقالة أيمن مزيك المفاجئة. ومنذ عام 2016، تولى اليزيدي منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا.
وُلد عبد الصمد اليزيدي في ولاية هيسن الألمانية لأب وأم مغربيين من العمال الوافدين، وهو يرى نفسه مهاجراً من “الجيل الثالث”. فقد هاجر جدُه من أجل العمل إلى ألمانيا. وتخرَّج أبوه كمعلم في المغرب، ثم عمل لعقود من الزمن في منطقة راين-ماين الألمانية “مساعداً في ورشة خراطة”؛ ويتحدث عبد الصمد اليزيدي عن فخر عائلته بتكريم أبيه على عمله خلال 25 عاماً من دون أن يغيب عن العمل يوماً واحداً بسبب المرض.
وقبل عمله في المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، كان موظفاً إدارياً في شركة لوجستية كبيرة في مطار فرانكفورت. وبعد انتقاله، وصل إلى جماعة المسجد الصغير في مدينة بفونغشتات جنوب دارمشتات. وإذ أرادت هذه الجماعة أن تكسبه كرئيس لها، تمكنت من إقناعه بذلك. وحول ذلك يقول أحياناً على سبيل المزاح: “أصغر مسجد في ألمانيا”.
“نحن جزء من المجتمع الألماني”
“نحن فخورون بأشياء كثيرة تُميّز ألمانيا. لكننا أصبحنا نشعر الآن كمسلمين، وأنا بصفة خاصة، بصفتي وجهاً وممثلاً لمجتمع ديني، وكأنَّنا مواطنون من الدرجة الثانية. يتم تحميلنا المسؤولية عن كثير من الأخطاء التي تحدث في مجتمعنا”، بحسب اليزيدي، وهو أب لأربعة أطفال.
ويضيف أنَّ المزاج السائد حالياً يثير شعوراً بالقلق خاصة بين جيل الشباب المهاجرين. كما أنَّ عدداً ليس قليلاً من الشباب المتعلمين تعليماً جيداً باتوا يفكرون في الهجرة إلى الخارج “بسبب شعورهم بأنَّهم غير مرحب بهم في ألمانيا. وهذا يجب أن يدفع المجتمع كله إلى التفكير”، كما يقول اليزيدي. ويتَّهم الأحزاب السياسية الرئيسية الألمانية بأنَّها تتبنى في موضوع الهجرة شعارات وخطابات حزب “البديل من أجل ألمانيا”، الذي تصنف السلطات بعض أجنحته على أنَّها يمينية متطرفة. ويضيف أنَّ “بعض الفاعلين حتى في ما يعرف باسم الأحزاب الشعبية يتنافسون في الحقيقة على تجاوز حزب “البديل من أجل ألمانيا” في توجهه اليميني”.
والمجلس الأعلى للمسلين في ألمانيا، الذي تأسس عام 1987، لا يُعتبر الاتحاد الإسلامي الأكبر في البلاد مع وجود جمعيات مساجد في تسعة اتحادات إقليمية. لكن اليزيدي أشار في حواره مع DW إلى تنوع غير مألوف. فعلى العكس مثلاً من الاتحاد التركي الإسلامي (Ditib) التابع لرئاسة الشؤؤن الدينية التركية، فإنَّ المجلس الإعلى للمسلين في ألمانيا لا يمثل جنسية واحدة بعينها. حيث يوجد فيه مسلمون ألبان وبوسنيون وأتراك وعرب، وفيه أعضاء من الشيعة والسنة، وفق تعبير اليزيدي: “الفكرة الأساسية التي توحدنا هي المواطنة في ألمانيا”. كما لدى أعضاء المجلس مساهمات متنوعة في المجتمع المدني.
كذلك، يتحدث اليزيدي عن طلبات من جمعيات مساجد أخرى تريد الانضمام، وعن تأسيس اتحادات إقليمية أخرى في المستقبل القريب. مع أنَّ المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا يتعرض منذ سنين لانتقادات كثيرة أيضاً. إذ لم يشارك المجلس في مؤتمر الإسلام في البلاد خلال هذه الفترة التشريعية التي تنتهي قريباً. وقيل إنَّه اتهم بالابتعاد مؤخراً عن المركز الإسلامي في هامبورغ (IZH). وحول ذلك يقول اليزيدي إنَّ جمعية الممثلين الحالية أيدت وبأغلبية واضحة استبعاد مسجدين، من بينهما مركز هامبورغ الإسلامي. وهناك منازعات قانونية.
الخلاف حول اتحاد الجمعيات الثقافية التركية الإسلامية
وفي الوقت نفسه، رفض اليزيدي انتقاد استمرار وجود جمعية مسجد “اتحاد الجمعيات الثقافية التركية الإسلامية في أوروبا” (ATIB) داخل المركز الأعلى للمسلمين في ألمانيا. ويقول إنَّ هذا الاتحاد قد تراجع عن مواقفه السابقة وابتعد عنها. ويضيف أنَّه تعامل مع ذلك بنفسه لفترة طويلة: “نحن نعتبر اتحاد الجمعيات الثقافية التركية الإسلامية اتحاداً ديمقراطياً”، يسعى إلى الشفافية والمعالجة الموضوعية. بيد أنَّ مثل هذه التطورات الإيجابية قليلاً ما تُلاحظ من قبل الجهات الرسمية.
ويشارك اليزيدي منذ فترة طويلة في الحوار بين الأديان أكثر من أي مسلم آخر في ألمانيا. فقد شارك في شباط/فبراير 2019 في لقاءات رسمية في أبو ظبي خلال زيارة البابا فرنسيس إلى شبه الجزيرة العربية، والتي وقع خلالها وثيقة شاملة مع كبار رجال الدين السنة.
وفي كانون الثاني/يناير 2020، كان ممثل المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا ضمن وفد رابطة العالم الإسلامي برئاسة أمينها العام محمد العيسى، الذي قام مع قادة المؤتمر اليهودي الأمريكي (AJC) بزيارة للنصب التذكاري في معسكر أوشفيتز وبإحياء ذكرى الستة ملايين يهودي الذين قضوا على يد الألمان النازيين.
ولفت اليزيدي إلى أنَّ الحوار بين الأديان يمثل بالنسبة له “مسألة قريبة من قلبه” و”مسؤولية دينية”. فهو يعتبر القرآن “كتاباً للحوار” ودعوة للتعايش. ويحاول المضي قدماً بالحوار بين اليهود والمسلمين وبين المسيحيين والمسلمين في ألمانيا. ويسعى في أوقات الأزمات إلى وضع ميثاق بين الطوائف الدينية من أجل حياة الناس والتعايش بينهم. ويقول: “نحن متقدمون جداً هنا في ألمانيا على مستوى الممثلين الدينيين. ولكن يجب علينا أن ننقل ذلك أكثر إلى مستوى القاعدة الشعبية وتشجيع التبادل”.
مع البابا من أجل الحوار
ويشير اليزيدي إلى “الدبلوماسية الدينية” الدولية. فبحسب قوله، توجد على الصعيد الدولي “تطورات إيجابية جداً تتجاهلها ألمانيا”. ويضيف أنَّ وزارة الخارجية الألمانية قد “رفضت للأسف” خبرته في موضوع الدين ومسؤوليته عن السلام: “السياسة الخارجية الألمانية الموجهة بحسب القيم ربما لم تكن جدية كما كانت تبدو في السابق”.
وكانت زيارته الأخيرة على المستوى الدولي قبل أيام قليلة من انتخابه إلى روما، حيث استقبله في الفاتيكان البابا فرنسيس مع ممثلين عن المسلمين من دول أوروبية. وعنه يقول اليزيدي: “إنَّه يشجعنا على اللقاء والحوار”.