الأربعاء, مايو 21, 2025
14.1 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

 ما احتمال “الحرب النووية” بين الهند وباكستان؟

جريدة الحرة

خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا  ECCI

يتزايد التوتر في جنوب آسيا بصورة متسارعة، وسط تصعيد جديد بين الهند وباكستان يعيد فتح جرحٍ جيوسياسي مزمن. فالصراع بين الدولتين النوويتين حول إقليم كشمير، الواقع غرب جبال الهيمالايا، لا يزال بعد أكثر من سبعة عقود يشكّل بؤرة قابلة للاشتعال في أي لحظة.

وقد جاءت الهجمات الجوية الهندية على أهداف داخل الأراضي الباكستانية، بما في ذلك الشطر الباكستاني من كشمير، كردّ مباشر على العملية الإرهابية التي وقعت في 22 أبريل 2025، وأودت بحياة 26 شخصاً، معظمهم من السيّاح الهنود، بالقرب من بلدة باهالجام. اتّهمت نيودلهي إسلام آباد بالوقوف خلف الهجوم، بينما نفت الأخيرة أي ضلوع لها في الحادث. ومع ذلك، فإن جذور النزاع تتجاوز هذا الحادث الأخير، وتمتد إلى عمق التاريخ الحديث للمنطقة.

نزاعٌ يتجاوز الحدود والمناسبات

في أعقاب الهجمات، تتصاعد المخاوف من انزلاق الأمور نحو مواجهة مفتوحة، خصوصاً في ظل التهديدات الباكستانية بالردّ. ويُحذّر مراقبون من أنّ أي تصعيد غير محسوب قد يفضي إلى نزاع واسع يصعب احتواؤه، لا سيّما أن كشمير تقع عند تقاطع حدود ثلاث قوى نووية: الهند، باكستان، والصين. الأخيرة تملك بدورها خلافًا حدوديًا غير محسوم مع الهند في كشمير الشرقية، ما يزيد من تعقيد المعادلة الإقليمية.

جذور استعمارية وصراعات متكررة

يعود أصل الصراع إلى عام 1947، إبّان استقلال شبه القارة الهندية عن الاستعمار البريطاني. حينها، نشأت دولتان جديدتان: الهند ذات الغالبية الهندوسية، وباكستان ذات الغالبية المسلمة. وقد تسبّب التقسيم في موجات نزوح قسري شملت نحو 15 مليون شخص، ظلّت آثارها تؤجّج التوترات الطائفية والجغرافية حتى اليوم.

منذ الاستقلال، خاضت الهند وباكستان ثلاث حروب، اثنتان منها بسبب كشمير. هذا الإقليم، الذي يشتهر ببحيراته الجبلية الخلّابة وقِممه الثلجية، يُعدّ وجهة سياحية بارزة، لكنه في الوقت نفسه يبقى ساحة مفتوحة للجماعات المسلحة والصراعات بالوكالة.

ماذا حدث لتصعيد الصراع؟

ضمن سلسلة من الإجراءات التصعيدية، علّقت الهند العمل بـ”معاهدة مياه نهر السند”، التي تنظّم تقاسم الموارد المائية لنهر السند وروافده بين الطرفين. وردّت باكستان على ذلك بإعلان احتفاظها بحقها في إلغاء اتفاقية شِملا الموقّعة عام 1972، والتي تُعدّ من المرتكزات الأساسية في آليات التفاوض بين الدولتين. ويُعدّ الانسحاب من هذه الاتفاقيات تطوّراً بالغ الخطورة، كونه يهدد بنسف الأطر القانونية التي تنظّم العلاقات الثنائية.
تخضع الحكومتان، في كل من نيودلهي وإسلام آباد، لضغوط داخلية شديدة تدفع باتجاه الرد الصارم على أي تصرّف يُعتبر عدائياً من الطرف الآخر. وقد بلغ مستوى التصعيد الحالي حداً يتجاوز، بحسب المحلل المتخصص في شؤون جنوب آسيا مايكل كوجلمان، ما سُجّل إبان أزمة عام 2019.

ما مدى ارتفاع خطر الحرب النووية؟

تتبنّى الهند مبدأ “عدم الاستخدام الأول (No First Use)”، الذي ينصّ على الامتناع عن المبادرة باستخدام السلاح النووي، مع الاحتفاظ بحق الردّ النووي الساحق في حال التعرض لهجوم نووي. في المقابل، تحتفظ باكستان بسياسة “الاستخدام الوقائي (First Use Policy)”، التي تتيح لها اللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية أولاً، إذا ما اعتُبر أنّ وجود الدولة مهدّد بشكل وشيك.
وتستند إسلام آباد في ذلك إلى مبدأ “الردع الكامل”، الذي يهدف بالدرجة الأولى إلى خلق توازن رعب يحول دون وقوع أي عدوان محتمل.
وبحسب التقرير السنوي الصادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)  لعام 2024، تمتلك الهند 172 رأساً نووياً، بينما تُقدَّر الترسانة النووية الباكستانية بـ 170 رأساً.

من يسيطر على كشمير؟

تقع منطقة كشمير، التي تبلغ مساحتها نحو 222,236 كيلومتراً مربعاً، ويقدَّر عدد سكانها بنحو 20 مليون نسمة، ضمن نطاق نزاع جيوسياسي معقّد بين ثلاث قوى نووية: الهند، وباكستان، والصين.

منذ عام 1949، باتت غالبية أراضي كشمير تحت الإدارة الهندية، في حين تُدير باكستان قرابة الثلث تحت مسمّى “كشمير الحرة”. أما الشطر الشرقي من الإقليم، فيقع تحت السيطرة الصينية، بعدما تنازلت باكستان عن جزء صغير من أراضيه لبكين بموجب اتفاقية موقّعة عام 1963.

ويُشكّل “خط السيطرة (Line of Control)” الحدود الفعلية القائمة بين الهند وباكستان في المنطقة. وتنشط في كشمير الخاضعة للإدارة الهندية جماعات مسلّحة تطالب إما بالاستقلال، أو بالانضمام إلى باكستان. وتتّهم نيودلهي إسلام آباد بدعم تلك الجماعات، الأمر الذي تنفيه الحكومة الباكستانية باستمرار.

ماذا حدث في كشمير في عام 2019؟

في فبراير 2019، وقع أسوأ هجوم يستهدف قوات الأمن الهندية خلال ثلاثة عقود، إذ قُتل 40 فرداً حينها. اتهمت الهند باكستان بالوقوف وراء العملية، مؤكدة لاحقاً أنها استهدفت معسكراً تابعاً لمنظمة إسلامية مسلحة داخل الأراضي الباكستانية. في المقابل، أعلنت إسلام آباد إسقاط طائرتين عسكريتين هنديتين، وألقت القبض على أحد الطيارين، الذي تم الإفراج عنه لاحقًا “كبادرة حسن نية”. وقد أدت هذه الخطوات إلى احتواء مؤقت للتصعيد.

غير أنّ التوتر عاد ليتصاعد مجدداً في أغسطس 2019، بعد أن أقدمت نيودلهي على إلغاء الوضع الخاص (الحكم الذاتي الجزئي) للجزء الخاضع لسيطرتها من كشمير، وأعادت ترسيمه إلى منطقتين اتحاديتين هما “جامو وكشمير” و”لداخ”، واضعةً إياهما تحت الإدارة المباشرة للحكومة المركزية في نيودلهي. ردّت باكستان على هذا الإجراء بوصفه غير قانوني، وتصاعدت المواجهات على طول “خط السيطرة”. كما نشرت الهند آلاف الجنود الإضافيين في وادي كشمير لقمع الاحتجاجات.

في عام 2021، توصل البلدان إلى اتفاق على الالتزام بجميع التفاهمات الثنائية ووقف الأعمال العدائية. ومع ذلك، استمرت الانتقادات الحقوقية حيال سياسة العسكرة المتزايدة في القسم الهندي من كشمير، إذ تتهم منظمات حقوق الإنسان نيودلهي بالسعي إلى إحكام قبضتها على الإقليم من خلال قمع واسع النطاق وانتهاكات منهجية.

ما هو الدور الذي تلعبه الدول الأخرى في هذا الصراع؟

لا يزال الدور الفعلي للقوى الدولية المؤثرة — مثل الولايات المتحدة والصين — في احتواء التوتر بين الهند وباكستان محدوداً وغير واضح. فالهند تُعد شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة في المجال الدفاعي، بينما تُصنف باكستان كحليف رئيسي من خارج حلف شمال الأطلسي. وقد لعبت واشنطن سابقاً أدواراً حاسمة في التهدئة خلال أزمات جنوب آسيا. إلا أن انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي من أفغانستان أدى إلى تراجع نسبي في اهتمام الولايات المتحدة بالشأن الباكستاني، ما انعكس على مستوى تدخلها في النزاع القائم بين الجارتين النوويتين.

https://hura7.com/?p=52734

الأكثر قراءة