الحرة بيروت
في قلب إقليم الخروب، حيث يلتقي التنوع الديني والطائفي في نسيج اجتماعي متماسك، برز مركز المطران مارون العمار للرعاية الصحية الأولية كمحطة أساسية لتقديم الخدمات الطبية، معززًا قيم العيش المشترك والتضامن الوطني. منذ انطلاقه قبل نحو عامين، أصبح هذا المركز ملاذًا صحيًا لمختلف فئات المجتمع، مجسدًا رسالة إنسانية تجمع بين الخدمة الطبية والتنمية الاجتماعية.
نجح المركز، الذي يحظى بدعم الكنيسة المارونية ويحمل اسم راعي أبرشية صيدا، في فرض حضوره على خارطة الرعاية الصحية في المنطقة رغم التحديات الاقتصادية والأزمات المتلاحقة. ففي بلدة مرج برجا المارونية، ضمن مبنى تابع لجمعية “الشوف للتنمية”، يقدم المركز خدماته لشريحة واسعة من أبناء المنطقة، مسلمين ومسيحيين، بلا تفرقة أو تمييز، في خطوة تعكس روح التكاتف والتآخي.
يضم المركز وحدتين صحيتين: مركز المطران مارون العمار للرعاية الصحية الأولية، ومركز المطران إيلي بشارة الحداد للعلاجات النفسية، إلى جانب مركز سمير الخطيب للعلاجات الفيزيائية الذي ينتظر استكمال التراخيص النهائية. وقد لعب دورًا محوريًا في تقديم الرعاية الطبية شبه المجانية، بفضل جهود فريق متكامل من الأطباء والمتخصصين.
خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة، أثبت المركز دوره الحيوي، إذ لم يقتصر عمله على أبناء المنطقة فقط، بل امتد لدعم النازحين من الجنوب والضاحية، مقدّمًا لهم الرعاية الصحية والأدوية المجانية. وأكد المطران العمار أن المركز يحمل رسالة إنسانية عابرة للطوائف، مشيدًا بتفاني العاملين فيه وعلى رأسهم الدكتورة دعد القزي ورويدة الدقدوقي، اللتين تعملان على ضمان استمرارية خدماته رغم الصعوبات المالية.
من جهتها، أوضحت القزي أن المركز يوفر مجموعة واسعة من التخصصات الطبية، من طب الأطفال والنساء والجهاز الهضمي إلى العلاجات الفيزيائية والصحة النفسية، مشيرة إلى أن الأطباء والمتطوعين فيه ينتمون إلى مختلف الطوائف، ما يجعله نموذجًا مصغرًا عن إقليم الخروب الموحد.
ورغم ما حققه المركز من إنجازات، لا تزال هناك تحديات تواجهه، خاصة فيما يتعلق بتأمين الأدوية المزمنة التي لا تغطيها الجهات المانحة، فضلًا عن الأعباء المالية كإيجار المبنى وفواتير الكهرباء والمياه، ما يدفع المشرفين عليه إلى البحث عن حلول مستدامة لضمان استمرارية خدماته.
في ظل الأزمات المتلاحقة، يبقى مركز المطران مارون العمار للرعاية الصحية الأولية مثالًا حيًا على التعايش والتكافل، حيث تتحول الرعاية الطبية إلى جسور تواصل بين أبناء المنطقة، بعيدًا عن الحواجز الطائفية والسياسية. فبفضل جهود العاملين والداعمين، يثبت هذا المركز أن الصحة ليست مجرد خدمة، بل رسالة إنسانية تعزز الوحدة الوطنية وتعمّق ثقافة العيش المشترك.