الثلاثاء, يوليو 15, 2025
30.2 C
Beirut

الأكثر قراءة

إصدارات أسبوعية

مضيق هرمز: الشريان الضيّق في معادلة التضخم العالمي

وليد أبو سليمان

 

جريدة الحرة ـ بيروت

مع تصاعد وتيرة التوتّرات بين إسرائيل وإيران، تسلّطت الأضواء مجدداً على ذلك الشريط البحري بالغ الضيق والأهمية الاستراتيجية: إنه مضيق هرمز الذي يُعدّ بمثابة شريان الطاقة العالمي. فمن خلاله يمر نحو ثلث النفط المنقول بحراً وربع صادرات الغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم. وبالتالي، فإن أي اضطراب في هذا الممر — سواء أتى نتيجة تصعيد عسكري، أو هجمات بطائرات مسيّرة، أو تفخيخ بالألغام، أو عمليات تخريب إلكترونية —  كفيل بإحداث صدمة فورية في أسواق الطاقة، مع ما يستتبع ذلك من ارتدادات تضخمية عالمية.

لا يُترجم ارتفاع أسعار النفط فقط إلى زيادة في كلفة الوقود، بل يمتد تأثيره إلى سلسلة الإمداد العالمية بأكملها. إذ ترتفع تكاليف النقل والشحن، بما يشمل الطيران والبَرّ، وتزداد نفقات التصنيع المعتمدة على المشتقات البترولية في إنتاج الكيميائيات، والبلاستيك، والأسمدة، والآلات الصناعية. كما تشهد أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً، نظراً لاعتماد القطاع الزراعي على وقود الديزل في تشغيل المعدات ونقل المحاصيل. وتنعكس هذه التكاليف المتصاعدة على قطاعات الخدمات والبناء وسواها، ما يجعل من النفط والغاز عاملين رئيسيين في تغذية دوّامة التضخم. فحركة أسعار الطاقة ليست حركة موضعية، بل هي قوة دافعة تطال مختلف مفاصل الاقتصاد.

ورغم أن الولايات المتحدة تُعدّ من كبار المنتجين النفطيين، إلا أن المنفعة الظاهرية من ارتفاع الأسعار تُخفي في طيّاتها تكلفة باهظة. فواشنطن لا تزال من أكبر مستوردي النفط عالمياً، وارتفاع أسعار الخام إنما يثقل كاهل الميزان التجاري، ويُرهق المستهلك الأميركي، ويقوّض الاستقرار النقدي. وفي حال ارتفعت معدلات التضخم مجدداً، فإن مجلس الاحتياطي الفيدرالي سيجد نفسه مضطراً إلى تشديد السياسة النقدية ورفع أسعار الفائدة، ما يعرّض النمو الاقتصادي للانكماش، ويُقيد الإقراض، ويزيد من احتمالية الانزلاق نحو ركود اقتصادي واسع النطاق.

لذلك، لا يمكن لواشنطن أن تسمح باستمرار هذه الأزمة المتفاقمة دون تحرُّك حازم. ففي حال اقتراب سعر النفط من مستوى 120 دولاراً للبرميل مجدداً، ستكون الولايات المتحدة مضطرة إلى اتخاذ إجراءات حاسمة، سواء من خلال تدخل عسكري مباشر أو عبر ممارسة الضغط الدبلوماسي المكثف على إيران لإجبارها على الدخول في مفاوضات جدية. بالنسبة للبيت الأبيض، تتجاوز هذه القضية أبعاد الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط لتشمل معضلات التضخم الداخلي، والمخاطر الاقتصادية الكلية، والتداعيات السياسية والانتخابية المحتملة.

في الوقت نفسه، تشهد الأسواق المالية حالة من الاضطراب المتزايد حيث تتعرض أسواق الأسهم لتقلبات حادة مع انحسار هوامش الربح وتراجُع العائدات، في حين يُعاد تسعير السندات تأثراً بمخاطر التضخم المتصاعدة. وبينما يبرز توجّه المستثمرين نحو الأصول الآمنة كملاذات بديلة، تواجه الأسواق الناشئة ضغوطاً شديدة تتمثل في نزوح رؤوس الأموال وضعف العملات المحلية، ما يزيد من هشاشتها الاقتصادية.

هذه الأزمة ليست صراعاً إقليمياً عابراً فحسب، بل هي محرّك رئيس لتسريع وتيرة التضخم العالمي. إذ لم يعد مضيق هرمز مجرد ممر استراتيجي للنفط، إنما تحوّل إلى شرارة مشتعلة في معادلة التضخم الدولية. ولا ينبغي، والحال كذلك، التقليل من شأن التأثيرات المباشرة وغير المباشرة لهذه الأزمة؛ فرغم بُعده الجغرافي، يظل مضيق هرمز يتحكم بموارد الطاقة الأساسية التي تؤثر على الوقود، والغذاء، وتكاليف النقل البحري، فضلاً عن تأثيره المباشر على سياسات البنوك المركزية حول العالم. وهكذا، في عالم مترابط إلى هذا الحد، قد تؤدي نقطة توتّر في منطقة معيّنة إلى سلسلة متتابعة من الاضطرابات الاقتصادية والسياسية على الصعيد العالمي.

المؤسّس الشريك في شركة أكسيس للأسواق العالمية المحدودة (AGM)

https://hura7.com/?p=58276

 

الأكثر قراءة