الأربعاء, مايو 21, 2025
14.5 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

جريمة الرشوة تضرب نزاهة الانتخابات

جريدة الحرة

بسام ضو، كاتب وباحث سياسي

bassam daou

يعتبر كلّ من علم السياسة والديمقراطية أنّ الانتخابات النزيهة والشفّافة والحرّة من أهمّ سمات الديمقراطية الحقيقية، ويفترض قانونًا إبعادها عن دوائر الفساد التي قد تشوبها وتعصف بمصداقيتها وحُسن سيرها، من خلال ما يُعرف بالفساد الانتخابي بكل وسائله (شراء الذمم – التضليل – التحالفات – المجنّسون…).

إنّ ما قام بعض المندوبين بملاحظته خلال عمليات الاقتراع يشير إلى الكمّ الهائل من العيوب التي شابت الانتخابات في جبل لبنان يوم الأحد الماضي، وما سيترتّب عن ذلك من آثار قد تمسّ الحياة السياسية للجمهورية اللبنانية على صعيدَي الإنماء والسياسة (بلدية واختيارية – نيابية).

ما حصل في المرحلة الأولى، وما يُتوقَّع أن يحصل في المراحل المقبلة من عمليات الاقتراع، وما بدأ يتكوّن من خلال تعليقات ودراسات مراكز الأبحاث، ومنها مركز PEAC، لا ينفي وجود عملية تزوير ممنهجة ستطال مصداقية الانتخابات البلدية والاختيارية وهيبة القانون. ومن البديهي أن يلحق ضرر حتمي بمختلف مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والإنمائية، بما في ذلك محاولات الإنماء والتطوّر اللتين يَعد بهما المجتمع الدولي.

إنّ الوقائع التي حصلت تؤكّد بالأدلّة والإثباتات أنّ النافذين (مرشّحين مدعومين من نوّاب وأحزاب) لجأوا إلى استغلال حاجات الناخبين (وهم كُثُر، نسبةً إلى إحصاء شبه رسمي مبدئي)، من خلال دفع الأموال لهم، في ما يُعرف بـ”الرشوة”، بقصد شراء أصواتهم وأخذ العهد منهم (دفع رشاوى في المنازل بموجب تعهّد لفظي بالالتزام الحضوري وفق أجندة يُعمل بها استنادًا إلى سجلات العائلات المقيمة ضمن الدائرة الانتخابية وخارجها). وقد تمّت هذه العملية عبر شخص يُعرَف بـ”مفتاح البلدة أو الحي”، وهي حالة تمثّل فسادًا واضحًا للذمم.

ومن نافل القول، ديمقراطيًا وقانونيًا، إنّه “لا يجوز لنزاهة الانتخابات أن تعتمد على إعطاء المال، ولا يجوز إعطاء الصوت لمرشّح فاسد أو مدعوم، لا بل مُرتهن، إذا جاز التوصيف، لأمراء اللوائح، علمًا أنه لا يستحق أن يكون مرشّحًا أو مسؤولًا في بلدية أو مركز اختياري”.

قانونيًا، ومن دون أي لُبس، وبناءً على المشاهدات الحيّة لمندوبي وسائل الإعلام والجمعيات التي تُعنى بالعملية الديمقراطية للانتخابات، هناك سيطرة مالية على مقدرات العملية الانتخابية وعلى كافة مراحلها الأولية في محافظة جبل لبنان (على أمل أن تُضبط في المحافظات الباقية، وهذا أمر غير محسوم)، وهي آفة بالغة الخطورة على سلامة العملية الانتخابية ونتائجها التي يشوبها الشك والظن، وعلى مصداقية تعبير الناخبين عن إرادتهم.

ما تمّ رصده يُشير إلى أن مال الرشوة هو أمر حيوي (وعلى عينك يا تاجر)، كما أن إدارة المعارك الانتخابية وحملاتها من ناحية التمويل أصبحت سلاحًا خطيرًا يؤثر على إرادة الناخبين وتوجهاتهم نحو تأييد لائحة معيّنة، سواء استخدم هذا الفعل من قبل المسؤولين أو الداعمين لها، حيث لا فرق. يعني، بصريح العبارة: “كلّهم مجرمون بحق الديمقراطية، وبالتالي يجب معاقبتهم، هذا إذا كان هناك قضاء فاعل”.

بصفتنا مركز أبحاث دولي، وبالتشاور مع مراكز أخرى لبنانية – عربية – دولية، واستنادًا إلى ما ورد إلينا وما رصدته الوقائع من أعمال تتنافى مع القانون، بات من حقّنا، ومنذ تسجيل أول عملية اقتراع في محافظة جبل لبنان بكل أقضيتها، أن نقول إن هناك ما يُعرف بـ”جريمة الرشوة الانتخابية”، وهي من أبرز الجرائم التي تؤثر سلبًا على نزاهة وشفافية العمليات الانتخابية المختلفة، لكونها تمسّ بإرادة الناخبين بصورة مباشرة وتؤثر على آرائهم السياسية والاجتماعية والإنمائية، وتنتقص فعليًا من مبدأ حرية التصويت.

يُعتبر حق التصويت أو حق الاقتراع من أهم الحقوق السياسية وحقوق المواطنين التي تنصّ عليها كل الدساتير والمعاهدات الدولية، والتي تعكس وجهًا من وجوه الديمقراطية في هذه الدول. ولا حاجة لتذكير الرأي العام بأن المادة 21 من الدستور اللبناني تعتبر أن لكل لبناني بلغ من العمر 21 سنة كاملة الحق في أن يكون ناخبًا، على أن تتوفر فيه الشروط المطلوبة بمقتضى قانون الانتخاب، كما نصّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وغيرها من المعاهدات، على حق الفرد في الاقتراع وعلى أهمية الانتخابات في احترام الحقوق السياسية لكل مواطن.

يأتي الحقُّ المُطلق في التصويت، دونما أيّ تدخّل، ترجمةً حقيقية للعديد من الحريات الأساسية في المجتمعات الحُرّة، ومنها حرية الرأي والتعبير، كما يُشكّل ترجمةً لحقوق ومبادئ أخرى، منها المشاركة في الحياة السياسية عبر اختيار ممثلين لتنفيذ هذه المهمة، ولمبدأ المراقبة والمحاسبة وتداول السلطة، ممّا يؤدّي إلى تطوّر المجتمعات وتعزيز أُسس الديمقراطية.

على الرغم من أنّ المبادئ الديمقراطية، بما فيها حرية التعبير والحقّ في المشاركة السياسية، تُشكّل الركيزة الأساسية لأي عملية اقتراع حرّة ونزيهة، فإنّ المرحلة الأولى من الاستحقاق البلدي والاختياري كشفت، في عدد من الدوائر، عن خروقات بنيوية تقوّض هذه المبادئ. فقد بدا جليًا، من خلال شكاوى موثقة ومراقبة ميدانية جزئية، أنّ بعض الناخبين وجدوا أنفسهم أمام منظومة مغلقة تُعيد إنتاج الهيمنة السياسية بدلًا من تجسيد مبدأ التداول الديمقراطي للسلطة. هذا الواقع يُثير مخاوف جدّية بشأن فعالية المشاركة العامة، وسط مؤشرات على استغلال واسع للنفوذ السياسي والمالي.

في محافظة جبل لبنان تحديدًا، ووفق ما أظهرته تقارير متابعة واستقصاء، شابت العملية الانتخابية عيوب فادحة على مستوى الشفافية وتكافؤ الفرص، حيث لم يلتزم بعض الفاعلين السياسيين بقواعد السلوك الانتخابي، لا في ما يتعلّق بتمويل الحملات ولا بضمان حرية الاقتراع. وقد برزت ضغوط مالية مباشرة وغير مباشرة من شأنها أن تؤثّر على خيارات الناخبين، ما يُنذر بإعادة توظيف هذه الآليات في الاستحقاق النيابي المقبل.

وعليه، فإنّ الحديث عن ممارسة ديمقراطية فعلية يبقى محلّ شكّ، في ظلّ استمرار نماذج سلطوية تُمارس الإقصاء وتعيد إنتاج أنماط إقطاعية مقنّعة، تُمسك بمفاصل القرار المحلي من دون تفويض حرّ وشفاف.

https://hura7.com/?p=52387

الأكثر قراءة