الأربعاء, مايو 21, 2025
14.1 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

من الأكاديمية إلى السياسة

د. مصطفى قراعلي يطرح مشروعاً جديداً لإنقاذ طرابلس

جريدة الحرة

بقلم: كارين عبد النور

لطالما كانت مدينة طرابلس، عاصمة الشمال اللبناني، محط أنظار الجميع لما تمتلكه من تاريخ عريق وحضور ثقافي مميز، لكنها في الوقت نفسه، عانت من التهميش والإدارة المرتجلة التي جعلت من واقعها اليوم محطّ تحديات كبيرة.

ومع دخولنا في مرحلة انتخابية جديدة، وفي قلب دينامية ملحوظة داخل البيئة السنية، تبرز طرابلس اليوم كفرصة وطنية استثنائية لإعادة بناء السلطة المحلية على أسس جديدة. هذه اللحظة ليست لحظة إدارة أزمة، بل لحظة تأسيس مسار جديد، يربط بين الإرادة الشعبية، والخبرة الإدارية، والانفتاح على الداخل والخارج، وذلك من خلال تبني سياسات محلية قادرة على النهوض بها اقتصادياً وتنموياً.

لقد باتت طرابلس – بموقعها الاستراتيجي، وامتدادها العربي، وانفتاحها الإقليمي – مؤهلة وطنياً لتقديم نموذج فعلي لحكم لامركزي مُنتِج في لبنان، قادر على التفاعل مع التحولات، وتوظيف العلاقات، وكسر احتكار القرار من قبل بيروقراطية المركز، لا عبر الصدام، بل من خلال إعادة تشكيل العلاقة مع الدولة ومؤسساتها المركزية.

من هذا المنطلق، لم تعد الانتخابات البلدية المقبلة في طرابلس مجرّد منافسة على المقاعد، بل تحوّلت إلى منصة لإطلاق مشروع إنمائي وإصلاحي حقيقي، نابع من المجتمع المدني، ومستند إلى شرعية شعبية وغطاء تمثيلي واسع.

في هذا السياق، يتطلع العديد من أبناء طرابلس إلى قيادات جديدة تحمل معها أفكاراً مبتكرة تخرج المدينة من دائرة المحاصصة السياسية إلى آفاقٍ أكثر تطوراً وشفافية.

حوار أجرته جريدة “الحرة” مع الدكتور مصطفى قراعلي، المرشّح لقيادة لائحة التوافق المدني في انتخابات طرابلس والساعي إلى تقديم مشروع إنمائي إصلاحي يجعل من طرابلس نموذجاً يحتذى به في لبنان، بعيداً عن كل الممارسات السياسية التقليدية التي أرهقت المدينة وأهاليها.

  • من هو الدكتور مصطفى قراعلي، وما الذي دفعه إلى خوض هذا الاستحقاق الانتخابي؟

أنا شخص نشأ عند تقاطع العلوم والتكنولوجيا من جهة، والفكر والسياسة من جهة أخرى. أملك خلفية علمية وعملية جمعت بين العمل الأكاديمي والميداني، في أستراليا وفي لبنان.

بدأت مسيرتي الأكاديمية في هندسة الكمبيوتر مع تخصّص في الذكاء الاصطناعي، ثم حصلت على ماجستير في الهندسة الطبية الحيوية عام 2001. عملت لاحقاً كمستشار في شركات متعددة الجنسيات في مجال التكنولوجيا المالية (FinTech)، كما شاركت كباحث في جامعة سيدني لتأسيس مركز للتجارب السريرية.

  • ما الذي دفعكم للانتقال من المسار العلمي إلى الاهتمام بالشأن العام والسياسي؟

لدي اهتمام دائم بالأسئلة الكبرى التي تربط بين العلم والمجتمع. لهذا السبب، تابعت دراساتي لأحصل على دكتوراه في تاريخ وفلسفة العلوم، وركّزت على الثورة العلمية بين العالمين الإسلامي والأوروبي، وخصوصاً انتقال المعارف العربية إلى أوروبا. ثم أنجزت مشروع ما بعد الدكتوراه في جامعة هارفارد، وبقيت هناك مدرّساً لمدة عامين.

لكن كان يراودني سؤال بشكل دائم: كيف نترجم المعرفة إلى فعل مجتمعي؟ لذلك، حين عدت إلى لبنان، لم أكتفِ بالبحث أو التعليم، بل بدأت أعمل على الأرض في مشاريع تنموية وسياحية تعكس قيمي.

  • ماذا عن عملكم؟ وهل سبق أن شاركتم في العمل السياسي أو العام؟

نعم، سياسياً كنت مستشاراً لرئيس وزراء أستراليا عام 2005 في شؤون الجالية العربية، خصوصاً قضايا الشباب، من خلال برامج ممولة من وزارة الهجرة والمواطنة. كما قدّمت محاضرات في وزارة الخارجية الأسترالية، وفي مؤسسات تعليمية وثقافية. هذا ما مكّنني من فهم كيف تُصنع السياسات العامة من الداخل، وما هي الفجوة التي نحتاج لردمها في العالم العربي.

كذلك نُدير شركة تطوير عقاري وإنشاءات في أستراليا تُشرف على مشاريع نشطة، وافتتحنا مؤخراً فرعاً في السعودية ضمن شراكة مع مجموعة أعمال أسترالية. أتنقّل باستمرار بين لبنان والرياض، وأعمل على ربط الاقتصاد اللبناني بالإمكانات الخليجية ضمن مسارات استثمارية حقيقية، لا فقط نظرية.

  • كيف تردّون على الانتقادات التي تتحدث عن أن هذه المشاريع قد تكون مجرد واجهات فاخرة في ظل الواقع الصعب الذي يعاني منه الكثير من سكان طرابلس؟

في طرابلس، نعمل كأسرة على مشاريع تُعزّز السياحة والهوية الثقافية والاقتصادية. منها مربط للخيول العربية الأصيلة، وحديقة حيوانات مرخّصة في الكورة، ومؤخراً نُطوّر مشروعاً سياحياً فريداً بجوار قلعة طرابلس يجمع بين فندق، بوتيك، مطعم، قاعة مناسبات، ومركز ثقافي. الموقع مطلّ على النهر والمدينة القديمة ويمنح الزائر مشهداً بانورامياً فريداً.

كل هذه المشاريع هي امتداد لقناعتي أن التقدّم لا يأتي من التنظير فقط، بل من الجمع بين المعرفة والعمل، والانتماء الأصيل للمكان.

  • هل يمكنكم فعلاً تطبيق نموذج الإدارة الرقمية والشفافة في طرابلس، في وقتٍ تعاني فيه المدينة من محاصصات سياسية وأزمات مزمنة؟

الفرق الجوهري هذه المرة أن طرابلس لم تعد تتحمّل مزيداً من الإدارة المرتجلة أو التهميش المنهجي. نحن أمام فرصة وطنية لإعادة بناء السلطة المحلية على أسس حديثة. لم تعد المسألة مجرّد تنافس على مقاعد، بل تحوّلت الانتخابات إلى منصة لإطلاق مشروع إنمائي وإصلاحي نابع من نبض المجتمع المدني ومبني على المشاركة والشفافية، وليس على التفاهمات الضيقة أو الزبائنية.

نريد بلدية تُدار كحكومة محلية فعلية، تستفيد من التجارب العالمية الناجحة، مثل النموذج الأسترالي، لكن بما يتناسب مع واقعنا اللبناني. هدفنا الأساسي هو إدارة رقمية شفافة، تقطع مع الفساد والمحاصصة وتُدار بالبيانات لا بالعلاقات، وتحمي المال العام وتسرّع الخدمات.

  • الخطاب عن “الإصلاح السياسي” قد يكون مجرد كلمات دون أفعال ملموسة. هل تستطيعون فعلاً بناء هذا “الإطار المدني الجامع” في ظل القوى السياسية الحالية التي تتشبث بمصالحها الضيقة، وفي وقتٍ يشكك فيه البعض في قدرتكم على تنفيذ هذه الوعود؟

الخطر الحقيقي هو أن تُدار طرابلس من جديد وفق عقلية التحاصص والتسويات بين زعامات لا تُبنى على برامج بل على نفوذ. “النيواقطاعية” اليوم تكرّس الفشل، لأنها لا تبني مؤسسات بل تتحاصصها. أما نحن، فنقترح إطاراً مدنياً جامعاً يضع المصلحة العامة قبل أي اعتبار.

أي إصلاح بلدي يجب أن يُبنى على إصلاح سياسي داخلي في آلية عملنا. وهذا يعني انفتاحاً في العضوية، وشفافية في اختيار القيادة، وتوزيع الفرص بالتساوي. نحن لا نؤمن أن السياسة تُدار بمنطق الجمعيات الخيرية أو بالأندية المغلقة. نؤمن أن الإصلاح السياسي هو الأساس لأي إصلاح اقتصادي أو تنموي.

  • هل تعتقدون أنه يمكن فعلاً فصل السياسة المدنية عن القوى الطائفية والعسكرية التي تتحكم في طرابلس منذ عقود؟ وما الذي يضمن أن هذا النموذج الوطني الذي تتحدثون عنه لن يكون مجرد تكرار لنفس الوجوه تحت مسمى “الاستقلال”؟

السياسة المدنية هي التي تنطلق من تنظيم المجتمع من خارج السلطة التقليدية، عبر أدوات سلمية ومؤسسية تحقق مصلحة الناس. “المدني” هو من يعمل باستقلال، بعيداً عن السلطة الطائفية والعسكرية، ويسعى لتنظيم المشاركة وصنع القرار لا لتكرار الوجوه أو العناوين.

طرابلس تمتلك طاقات بشرية هائلة. لدينا اليوم فرصة تاريخية لتقديم نموذج وطني في العمل البلدي. المطلوب هو الوحدة على قاعدة الكفاءة لا الولاء، والتمثيل لا التهميش. وبهذا فقط نكسر الحلقة المفرغة التي أبقت المدينة رهينة لعقود.

  • اسمكم مطروح لرئاسة اللائحة. هل تؤكدون ذلك؟ وما الضمانات أن هذه اللائحة لن تتحوّل إلى مجرد حلف مصلحي آخر بدل أن تكون نموذجاً حقيقياً للتغيير؟

بكل وضوح، إذا كان ترشيحي يسهم في تهدئة الأجواء وتقريب المسافات بين مكونات المجتمع المدني، فأنا جاهز لتحمّل المسؤولية. لكنّي أؤمن أن الرئيس يجب أن يكون جامعاً لا ممثّلاً حصرياً، وأن يعمل بصدق مع الجميع، ويملك القدرة على التفاوض مع الدولة، والمؤسسات الدولية، والقطاع الخاص، من موقع مدني، شفاف، ومنفتح.

نقترح تشكيل لائحة مدنية موحدة باسم “لائحة التوافق المدني” أو “لائحة طرابلس أولاً”، تضم 11 مرشحاً من كل من “الحراس” و”عمران” مع حلفائهم من المجتمع المدني وتشمل مرشحين من الأقليات، ومرشّحاً إضافياً من اختيار رئيس اللائحة المتوافق عليه.

بهذه الصيغة، يتحقق التوازن، ويُحفظ التمثيل، وتُطلق حملة مدنية موحدة ذات صدقية عالية.

  • هل لديكم رسالة أخيرة للشارع الطرابلسي؟

رسالتي لأهلي في طرابلس أن التوافق قبل الانتخابات ليس ضعفاً بل قوة استراتيجية، وليس تنازلاً بل انتصار مشترك. إن توحدنا، انتصرنا جميعاً. وإن تفرّقنا، خسرنا المدينة. إنها دعوة مخلصة لتجاوز الاعتبارات الضيقة، وتعزيز روح التعاون، واغتنام الفرصة المتاحة أمام المجتمع المدني في طرابلس، من أجل بلورة نموذج موحّد وفاعل يُعبّر عن تطلعات الناس ويُواجه، بأسلوب ناضج، مظاهر التهميش ومحاولات إعادة إنتاج الواقع نفسه بوسائل تقليدية.

هذه فرصتنا لنقول بصوت واحد: طرابلس تقود… لا تتبع.

https://hura7.com/?p=51590

 

الأكثر قراءة