الأحد, يونيو 22, 2025
27.4 C
Beirut

الأكثر قراءة

إصدارات أسبوعية

من يوم التحرير إلى يوم التحذير

مو حيدر

 

جريدة الحرة ـ بيروت

عندها فقط سيصبح يوم التحرير ليس مجرد نهاية، بل بداية للبنان حرّ بحق. لبنان حرّ من قبضة السياسة الطائفية، ومن الفساد المتجذّر، ومن العقلية المتوارثة التي ترى التغيير مستحيلاً. ففي حين لا يزال 25 أيار يخلّد ذكرى انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000، إلا أنه تحوّل إلى تذكار لانتصار مجمّد في الزمن، تحرير جغرافي طغت عليه حالة الجمود الداخلي والفشل في بناء دولة مدنية حقيقية.

العائق الحقيقي: غياب الرؤية… وتواطؤ الناس

ورغم محاولات التغيير، يظل المشهد محكوماً بعاملين:

  • غياب رؤية موحدة لدى القوى الإصلاحية: الانقسامات، غياب التنسيق، ونقص الخبرة في بناء تحالفات محلية فعّالة، كلها أضعفت قدرة المستقلين على كسب المجالس.
  • لكن العائق الأكبر يبقى الناس أنفسهم. لا بسبب ضعفهم، بل بسبب الخضوع الطويل. كثيرون لا يزالون يصوّتون بناءً على الطائفة، لا البرنامج خوفاً من قطع الخدمات أو الحماية ما يدفعهم للتصويت لزعماء الطوائف. أما العزوف عن التصويت فقد أصبح شكلاً من أشكال الاحتجاج الصامت، لكنه يساهم في إعادة إنتاج السلطة نفسها.

انتخابات 2025 البلدية: ما بين التقدّم الجزئي والجمود البنيوي

الانتخابات البلدية التي أُجريت على أربع مراحل خلال شهر أيار 2025، كانت الأولى منذ عام 2016، وأظهرت صورة مزدوجة للبنان: شعب يريد التغيير، ومنظومة تُحسن الدفاع عن مواقعها.

  • في بيروت، تآلفت كل الأحزاب التقليدية، من حزب الله إلى القوات اللبنانية، ضمن لائحة “بيروت بتجمعنا” ضد لائحة بيروت مدينتي الإصلاحية. النتيجة: فوز كامل للائحة الأحزاب بـ24 مقعداً، مما كشف استعداد المنظومة للتوحد ضد أي خطر على مصالحها، رغم خصوماتها العلنية.
  • في طرابلس، خاض المستقلون معركة شرسة عبر لائحة حراس المدينة، لكنهم لم يحصدوا سوى مقعد واحد من أصل 24، وسط شبهات بتزوير فاضح وصراع بين مجموعات نافذة كأشرف ريفي، وفيصل كرامي، وتحالفات مدعومة من نجيب ميقاتي. منظمة LADE طالبت بإعادة الانتخابات بسبب الخروقات الصارخة.
  • في جونية، تمكنت لائحة مستقلة برئاسة رجل أعمال محلي من الفوز الكامل، في سابقة اعتُبرت ضربة للأحزاب، خصوصاً التيار الوطني الحر.
  • في زحلة، فازت لائحة قلب زحلة المدعومة من القوات اللبنانية بأكثر من ضعف أصوات اللائحة المنافسة المدعومة من تحالف تقليدي. الناخبون عاقبوا الأسماء التقليدية التي لم تقدم خدمات حقيقية.
  • في بعلبك، ولأول مرة، خاضت لائحة مستقلة تحت اسم “بعلبك مدينتي” الانتخابات في وجه لائحة حزب الله وحركة أمل. رغم عدم الفوز، إلا أن مجرّد الترشّح وظهور دعم شعبي رمزي يعدّ كسرًا لحاجز الخوف في معقل الثنائي الشيعي.
  • في بشري، حققت اللائحة المستقلة المقربة من انتفاضة 17 تشرين نتيجة بلغت نحو 40%، وهي ضربة معنوية للقوات اللبنانية في عقر دارها.

الجنوب: بين هيمنة الحزب وفرص التغيير الخجولة

في الجولة الأخيرة المقررة في 24 أيار، ستُجرى الانتخابات في محافظتي الجنوب والنبطية، معقل حزب الله وحركة أمل.

من المتوقع أن تهيمن لوائح الثنائي الشيعي على غالبية البلديات، كما جرت العادة في صور، النبطية، بنت جبيل، مرجعيون وغيرها.

أكثر من 60 بلدية في الجنوب ستحسم بالتزكية دون معركة انتخابية حقيقية، ما يعكس غياب المنافسة الفعلية ونجاح المنظومة في إجهاض المحاولات الإصلاحية من جذورها.

يوم التحرير: ذكرى لم تكتمل

في هذا السياق، يتحوّل يوم التحرير في 24 أيار 2025 إلى مرآة لحقيقة قاسية: ليس بعد يوم تحرير. بل يوم تحذير… تحذير من أن الانتصارات لا تُخلّد إلا إذا تبعتها تحرّرات داخلية. وأن تحرير الأرض لا يكتمل إن بقيت النفوس مكبّلة بالخوف، والمجالس محكومة بالفشل، والصناديق رهينة الزعامات.

الخلاصة: بداية الطريق… لا نهايته

انتخابات 2025 البلدية لم تُسقط النظام الطائفي، لكنها أضعفت هالته. الأحزاب التقليدية لا تزال تسيطر، لكنها لم تعد مطلقة الهيمنة. الناس بدأوا يشكّون، والمرشحون البديلون بدأوا ينبتون.

لكن التغيير الحقيقي يتطلّب ما هو أكثر من صناديق اقتراع. فهو يحتاج إلى رؤية موحّدة، وشجاعة سياسية، وبنية قانونية تسمح للمجالس أن تعمل بعيداً عن سيطرة المركز. ويحتاج قبل كل شيء إلى شعب لا يصوّت للخوف، ولا يسكت للفساد، ولا ينتظر بطلاً خارجياً، بل يبدأ بنفسه.

عندها فقط… سيُصبح يوم التحرير، يوماً للتحرّر الحقيقي. من الجنوب… إلى الشمال.

https://hura7.com/?p=54648

الأكثر قراءة