الأربعاء, مايو 14, 2025
12.1 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

مواجهة التطرّفَين القومي والإيراني شرطٌ لتحصين أي دولة عربية

جريدة الحرة

بقلم: أحمد القريشي، صحافي باكستاني متخصص في شؤون الأمن القومي. يكتب بالعربية والإنكليزية والأردية.

الاحتفال بما يبدو أنه تراجع لشبكة الوكلاء الإيرانية في المنطقة العربية قد يكون مبالغاً فيه، إن لم يكن مضللاً. صحيح أن الضربات التي تعرضت لها هذه الشبكة أضعفت من قدراتها التشغيلية، إلا أن التهديد لم يُستأصل من جذوره. فالمشكلة لا تكمن فقط في الأدوات، بل في التربة الفكرية التي أنتجتها وتغذيها حتى الآن.

الحرس الثوري الإيراني، الذراع العقائدي والعسكري لنظام ولاية الفقيه، بنى شبكته على مدى أربعة عقود، ليس فقط على أساس الولاء المذهبي، بل مستفيداً من بيئة أيديولوجية عربية حاضنة نشأت منذ أوائل القرن العشرين. تلك البيئة التي مزجت بين النزعات القومية الراديكالية، والخطاب الإسلامي الثوري، خلقت فراغاً مفاهيمياً وسياسياً سمح لقوى خارجية عدة باستثماره وتوسيعه.

منذ ثورات الخمسينات والستينات، اجتاحت العالم العربي موجات من الفكر القومي المتشدد، والمسلّح في بعض الأحايين، تلاها صعود الحركات المتأسلمة سياسياً التي تبنّت خطاباً لا يقل ثورية وعداءً لمفاهيم الدولة الوطنية. هذه التيارات ساهمت بشكل مباشر في إضعاف الدولة العربية، وفشلت في تقديم حلول واقعية، بل مهّدت الطريق للفوضى والانهيار.

إيران الخمينية لم تخترع هذا الواقع، لكنها أحسنت توظيفه. ففي مرحلة ما بعد الثورة عام 1979، لم يكن التمدد الإيراني قائماً فقط على الشيعة العرب، بل شمل جماعات عربية ذات خلفيات قومية ويسارية وإسلامية متطرفة، وجدت في خطاب “الخمينية السياسية” امتداداً لأوهامها الثورية. هكذا نشأت شبكة متشعبة من الوكلاء، لا يجمعهم مذهب بقدر ما يجمعهم منطق الصراع مع الدولة.

وهنا تكمن خطورة التحليل الطائفي السائد: فهو يتجاهل البعد الأيديولوجي العميق، ويحوّل الصراع إلى مسألة مذهبية، بينما الواقع أكثر تعقيداً. فحزب الله، والحوثيون، وبعض فصائل “المقاومة” في العراق وسوريا، لم يكونوا مجرد أدوات طائفية، بل جزء من مشروع ثوري متكامل، يرتكز على فكرة إسقاط الدولة المركزية واستبدالها بهويات أيديولوجية عابرة للحدود.

هذه الأيديولوجيات العابرة للحدود أضعفت الدولة العربية التي كانت واعدة في بدايات القرن الفائت، وأخرجت مسار التحديث العربي عن مساره، وأدخلتنا في متاهات التطرف الأيديولوجي، وأدت لانهيار دول عربية، بل أن دمار غزة اليوم أفضل تعبير عن كوارث الثوريين القوميين والإسلاميين.

ولذلك، فإن مواجهة شبكة الوكلاء الإيرانية لا يمكن أن تقتصر على البعد الأمني أو العسكري. المطلوب هو تفكيك البنية الفكرية التي سمحت لها بالوجود. ويشمل ذلك مراجعة جريئة للخطاب القومي والإسلامي الراديكالي الذي هيمن لعقود على وجدان الشعوب العربية، وسمّم نظرتها للدولة، والمؤسسات، والوطنية.

كذلك، من الضروري تمكين الأصوات المعتدلة داخل المكونات الشيعية العربية، الرافضة للعنف والمناهضة للخمينية. الشيعة العرب لعبوا أدواراً تاريخية في الانفتاح العربي الحديث، قبل أن يحاول الخمينيون الإيرانيون اختطاف هذا المكوّن العربي الحيوي. هؤلاء يمثلون رصيداً استراتيجياً في معركة الأفكار، لكنهم غالباً ما يُهمَّشون بسبب اختزال الصراع في ثنائية السنة والشيعة.

من دون هذا التفكيك الأيديولوجي، سيبقى أي انتصار ضد وكلاء إيران مؤقتاً. فالشبكة قادرة على إعادة التشكل، طالما أن التربة التي أنبتتها ما زالت خصبة. والأخطر، أن تطرف بعض الأنظمة أو الجهات السنية، في ردّها على المشروع الإيراني، قد يعيد إنتاج التطرف المقابل، ويغذي دائرة لا تنتهي من العنف والانقسام وإضعاف الدولة العربية.

الخلاصة أن الدولة العربية، لكي تقوى وتستعيد زمام المبادرة، يجب أن تتجاوز ثنائيات الماضي: القومي والإسلامي، الشيعي والسني، الثوري والمحافظ. يجب أن تنحاز للدولة المدنية، ولخطاب وطني جامع، يرفض التطرف بأشكاله كافة، سواء جاء من طهران أو من بعض تراثنا السياسي المريض.

https://hura7.com/?p=51630

الأكثر قراءة