الأربعاء, مايو 14, 2025
12.1 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

الدَّين من صندوق النقد (IMF) لا يُقاس بحجمه… بل بما ينتجه

الحرة بيروت ـ بقلم: مو حيدر

الدَّين عموماً هو أداة مالية، يمكن أن تكون نافعة أو مدمّرة، حسب كيفية استخدامها. ولا يصبح الدَّين مفيداً إلا عندما تتجاوز فوائده كلفة خدمته، أي حين يُستخدم كرافعة تُساعد في كسب الوقت واقتناص الفرص وتحقيق النمو.

لكن لبنان لم يعد في مرحلة “الرافعة”. لقد تجاوز فرصة استخدام الدَّين لتوسيع الاقتصاد أو إطلاق مشاريع جديدة. الآن، لبنان أمام خيار واحد فقط: الدَّين المسؤول الذي لا يهدف إلى التوسّع، بل إلى تثبيت النزيف وبدء التعافي.

هذا القرض اليوم ليس “بروتين لبناء العضلات”، بل “مسكّن ألم” لا يشفي أو يبني بل يسمح للبنان بالتركيز وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

لماذا صندوق النقد الدولي؟ ولمَ الآن؟

حين تكون دولة مثل لبنان تعاني من تراجع تصنيفها الائتماني إلى أدنى المستويات؛ تعيش أزمات سياسية واجتماعية متداخلة؛ ولا تمتلك مؤسسات قادرة على ضبط الإنفاق أو تحصيل الإيرادات، فهي لا تكون مؤهلة لأي قرض تجاري تقليدي من الأسواق العالمية أو المصارف الدولية. الخيارات تنعدم… باستثناء صندوق النقد الدولي  (IMF).

ورغم أن التعامل مع صندوق النقد محفوف بالشروط، إلا أن هناك حقائق لا يمكن تجاهلها:

  • صندوق النقد يقرض لبنان بسعر فائدة منخفض جداً، غالباً بين 1 و2%.
  • هذا يعني أن الصندوق يتحمّل خسائر ضمنية بسبب ما يعرف بـ”كلفة الفرصة الضائعة (Opportunity Cost)” إذ كان يمكنه إقراض هذا المال لدول أخرى بشروط أفضل له.
  • لكنه يفعل ذلك لأن هناك فلسفة قائمة على المنفعة المتبادلة: win-win
  • لبنان مستقر ومتعافٍ سينتج خيراً للمنطقة، وللأسواق، وللاستقرار العالمي.
  • أما تركه في الانهيار، فثمنه أكبر بكثير على الجميع. ببساطة، من الأرخص أن تساعد جارك على الوقوف من أن تعيش إلى جانبه وهو غارق في البؤس.

المسألة ليست كم سنأخذ… بل كيف سنُدير ما سنأخذ

طلب لبنان 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، إضافة إلى 250 مليون دولار من البنك الدولي لقطاع الكهرباء. لكن السؤال الحقيقي ليس “على كم سنحصل؟” بل “هل نمتلك الإدارة، الرقابة، والمساءلة اللازمة لإنفاق هذه الأموال بالشكل الصحيح؟” و”هل نحن مستعدون لكسر الحلقة المفرغة من الفساد، الزبائنية، واللامسؤولية؟”.

لبنان لا يفتقر إلى المال بل إلى من يُحسن استخدامه. لبنان بلد منهوب، لا فقير. أموال بمبالغ ضخمة دخلت البلد لعقود، لكنها لم تُستثمر في بنى تحتية، ولا تعليم، ولا إنتاج، بل ذهبت إلى مصارف تُموّل الدولة بلا رقابة؛ سياسة دعم غير عادلة؛ شبكات محسوبية؛ وساد مقونن ومدعوم سياسياً.

فكانت النتيجة: انهيار الثقة داخلياً وخارجياً، ودولة عاجزة عن تنفيذ أبسط مشاريعها من دون مساعدة خارجية.

أما المواطن فلم يكن بريئاً بالكامل. ذلك لأن ثقافة “الحربقة” والتهرّب والتجاوز التي يتمتع بها البعض أصبحت “عُرفاً” يعيشه اللبناني مدمّراً الدولة من الداخل: من الرشوة لتسيير معاملة، إلى التهرب الضريبي والتوظيف بالواسطة، مروراً بالتهريب واحتلال الأملاك العامة، وصولاً إلى التهرّب من الضمان ومن تسديد الديون… كل هذه الممارسات ساهمت في تآكل بنية الدولة، وعمّقت الأزمة.

هل الـ3 مليارات كافية؟

لا، فهي لا تغطي سوى نسبة محدودة من الفجوة المالية (التي تتجاوز 70 مليار دولار). لكنها “جرعة ثقة أولى” تفتح الباب أمام تمويلات من البنك الدولي، الاتحاد الأوروبي، الخليج، وغيرها.

لكن هذا الدعم مشروط: لا إصلاح يعني لا دفعات؛ وقرض الكهرباء هو اختبار مصغّر لنوايانا. فالبنك الدولي وافق على قرض بقيمة 250 مليون دولار للكهرباء من أجل تحسين التوزيع والإنتاج ودعم الشبكة وتخفيف العجز المزمن، لكن، وعلى غرار صندوق النقد، هذا التمويل أيضاً لن يُصرف دون خطوات تنفيذية شفافة.

نحن لا نشتري مستقبلاً… بل فرصة للنجاة

الاتفاق مع صندوق النقد لا يُمثّل حلاً كاملاً بل بداية الطريق، وفرصة لا يجب التفريط بها. هو ليس إنقاذاً مجانياً بل اختبار لقدرتنا على أن نكون دولة تُحترم.

ماذا إذا فشلنا مجدداً؟ عندها لن يكون هناك صندوق يفتح بابه ولا مجتمع دولي يمدّ يده.

*مو حيدر: الرئيس التنفيذي للشؤون المالية في شركة ديالكسا/تكساس

رابط المقال: https://hura7.com/?p=50557

رابط العدد: https://hura7.com/?p=50468

الأكثر قراءة