الثلاثاء, أبريل 22, 2025
17.9 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

مو حيدر ـ الـ100,000 ليرة لبنانية: درس وعبرة

moe haydar

الحرة بيروت ـ بقلم: مو حيدر، الرئيس التنفيذي للشؤون المالية في شركة ديالكسا

عاد والدي مؤخرًا من لبنان، وأعطى ابني 100,000 ليرة لبنانية. تأمّل ابني جبران الورقة النقدية بين أصابعه بحيرة، يقلّبها مرارًا وكأنه يحاول استيعاب قيمتها. عندها ضحك والدي وقال: “أتعلم يا حفيدي؟ لقد اشتريت منزلي الأول في لبنان بـ100,000 ليرة في الثمانينات”.

اتسعت عينا ابني بدهشة. “منزل كامل؟”، بدا له المبلغ ضخمًا. لكنني أخبرته بالحقيقة: “بحلول العام 2018، كانت هذه الـ100,000 ليرة تساوي 66 دولارًا فقط. واليوم، تكاد لا تساوي شيئًا.”

قطّب جبينه وقال بحيرة: “ماذا حدث؟”، فجلست بجانبه وبدأت أشرح له الأمر ببساطة.

أنواع الديون الثلاثة

هناك ثلاثة أنواع من الديون”، قلت له:

  1. الدين الذكي: عندما تقترض المال لاستثماره في شيء تزداد قيمته بمرور الوقت، كأن تأخذ قرضًا لبدء مشروع ناجح أو شراء أرض ترتفع قيمتها.
  2. الدين المسؤول: عندما تستدين لتغطية الاحتياجات الأساسية فقط، مع التأكد من قدرتك على السداد، كأن تحصل على قرض لشراء منزل مناسب لدخلك أو لتمويل تعليم يضمن لك مستقبلًا مستقرًا. قد لا يكون مثاليًا، لكنه على الأقل يمكن التحكم فيه.
  3. الدين الغبي: وهذا هو الأسوأ. يحدث عندما يُقترض المال ليس للاستثمار، بل لتمويل الفساد والرشاوى والأكاذيب. عندما تلجأ حكومة إلى الاستدانة فقط لإثراء النخبة، بينما توهم الشعب بأن الاقتصاد بخير.

ونظرت إلى ابني وقلت بحزم: “حكام لبنان اختاروا الدين الغبي”.

الاحتيال المالي الأكبر في لبنان

على مدار سنوات، اقترضت الحكومة اللبنانية مليارات الدولارات، ليس لبناء الاقتصاد، ولا لتطوير البنية التحتية، ولا لخلق فرص عمل، ولا لتحسين المدارس أو المستشفيات. بل استُخدمت هذه الأموال لتمويل الفساد، ودفع رواتب لموظفين لا يعملون، وإبقاء اقتصاد وهمي على قيد الحياة.

أما البنوك، فكانت تعد الناس بأرباح خيالية مقابل إيداع أموالهم بالدولار. بدا الأمر كعرض مغرٍ، لكنه كان مجرد فخ.

في الحقيقة، كانت البنوك تستخدم أموال المودعين الجدد لدفع مستحقات المودعين القدامى، تمامًا كما يحدث في مخطط بونزي الاحتيالي. ثم، ذات يوم، انهار كل شيء.

ماذا حدث لودائع الناس؟

عندما تخلّف لبنان عن سداد ديونه، لم يكن لدى البنوك أي أموال، فقد قدمت كل ودائع الناس للدولة، التي أهدرت تلك الأموال بالفعل.

هرع المواطنون لسحب مدخراتهم، لكن البنوك أغلقت أبوابها؛ جُمّدت الحسابات بالدولار؛ مُنع سحب النقد؛ أُجبر المودعون على استلام أموالهم بالليرة اللبنانية بسعر صرف مزيف.

بمعنى آخر، الشخص الذي كان لديه 100,000 دولار في البنك، لم يعد بإمكانه استعادة سوى جزء ضئيل منها، بخسارة تجاوزت 90%. كانت هذه عملية سرقة منظمة، جرت تحت غطاء “ضوابط رأس المال”.

وفي الوقت ذاته، كان أصحاب البنوك والسياسيون قد حوّلوا أموالهم إلى الخارج منذ زمن، فحموا أنفسهم وتركوا اللبنانيين يخسرون كل شيء.

رفعت الـ100,000 ليرة التي أعطاها والدي لابني وقلت له: “هل ترى هذه الورقة؟ كانت تشتري منزلًا. واليوم، لا تساوي شيئًا”.

نظر ابني إليها مطوّلًا، ممسكًا بها وكأنها تحفة أثرية من زمن بعيد: “إنها مجرد ورقة الآن”. فقلت له: “لأنه عندما لا تبني نفسك ووطنك، سينهاران معًا. عندما تترك اللصوص يديرون الاقتصاد، فإن كل شيء يتحول في النهاية إلى رماد”.

لم يُدمَّر لبنان بسبب حرب عابرة أو كارثة طبيعية، بل بسبب الجشع، والفساد، والجهل، ونظام يلتهم نفسه حتى لم يبقَ منه شيء.

تلك الـ100,000 ليرة التي كانت تشتري منزلًا، ثم أصبحت تساوي 66 دولارًا، واليوم لا تساوي شيئًا… ومع ذلك، لا يزال الناس يصوّتون لهم، ويفدونهم بكل شيء.

https://hura7.com/?p=44328

الأكثر قراءة