الإثنين, يناير 20, 2025
1.7 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

مو حيدر ـ عام 2024: لبنان العاطفة، الفكر، الروح، والجسد

الحرة بيروت ـ بقلم: مو حيدر

مع انقضاء العام 2024، يقف لبنان على عتبة عام جديد، مثقلاً بذكريات عام كان حافلاً بالتحديات والتقلبات. عاطفياً، تأرجح الوطن بين آلام شعب يكافح للبقاء وأحلام لم تخفت رغم الصعاب. أما فكرياً، فقد انبرى اللبنانيون، فرادى ومجموعات، في محاولات مضنية لفهم تعقيدات واقعهم السياسي والاقتصادي، والتطلع إلى مسارات جديدة تخرجهم من دوامة الأزمات. وعلى صعيد الجسد، كان الوطن ذاته أشبه بجسدٍ منهك، يعيش تحت وطأة أزمات معيشية خانقة تركت أثرها على كل زاوية من زوايا الحياة اليومية. ورغم ذلك، بقيت الروح اللبنانية صامدة، تستمد قوتها من إرث ثقافي عريق ومن إيمانٍ عميق بأن لكل ليلٍ فجراً قريباً.

وفي خضم كل هذا، يبدو أن استقبال العام الجديد يحمل معه تساؤلات أكثر من الإجابات، وتطلعات أكثر من اليقين. تُرى، كيف سيُعيد لبنان صياغة أمله؟ وما هي أدواته لإعادة بناء ذاته من العاطفة إلى الفكر وصولاً إلى الروح فالجسد؟

العاطفة

كان العام 2024 أحد أكثر الفصول سواداً في تاريخ لبنان. عائلات بأكملها تمزقت، أرواح فقدت في عنف لا معنى له، وأصوات الأبرياء، خاصة الأطفال، أُسكتت قبل أن تتاح لأصحابها الفرصة للعيش. هذه المآسي ليست مجرد قصص بعيدة؛ إنها ألم يعيشه اللبنانيون والفلسطينيون على حد سواء، مستمر عبر الأجيال. أفكّر في المواليد الجدد في غزة الذين ماتوا منذ أيام قليلة لأنهم لم يملكوا بطانيات تقيهم برد الشتاء، ويعيدني ذلك إلى أختي التي فقدتها منذ 36 عاماً لنفس السبب، لا بطانية، لا فراش، ولا أبسط مستلزمات الحياة. رؤية هذا المشهد يتكرر في وجوه أطفال اليوم أمر لا يمكن احتماله.

إذا كان العام المنصرم قد علّمنا شيئاً، فهو أننا لا زلنا نفشل مراراً وتكراراً في حماية أعظم مواردنا… أطفالنا. هذا الحزن يجب أن يتحول إلى صرخة نداء، قوة دافعة للتغيير. يجب أن نبني، أو على الأقل أن نحارب للبناننا، حيث لا تُترك حياة أي طفل للصدف، وحيث تكون سلامتهم وصحتهم وكرامتهم أموراً غير قابلة للنقاش. العاطفة بدون فعل تتركنا محاصرين في دوامات من اليأس. يجب أن نحوّل هذا الألم إلى تصميم جماعي لضمان عدم تكرار أخطاء الماضي مع الأجيال القادمة. هذا هو السؤال الذي يجب أن يسيطر على جميع قراراتنا.

الفكر

لقد أكّد هذا العام حقيقة قاسية: أننا نعيش رواية غير مكتملة. من المؤكد أننا نواجه تحدياً كبيراً نتيجة أطماع ووحشية الخارج، ولكننا أيضاً مسؤولون عن إيجاد حلول والعمل بذكاء أكبر. أنظمتنا في لبنان، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ليست فقط مكسورة، بل مصممة لخدمة قلة على حساب الأغلبية. لكن الظلام ليس قدراً. لدينا القدرة على إعادة كتابة هذا السرد إذا ركزنا على حلول مبنية على الشفافية والعدالة والابتكار.

إن عقول اللبنانيين مورد لا يُضاهى. رغم عقود الأزمات، لم تتراجع قدرتنا على التكيف والإبداع. تخيّل لو تم استغلال هذا الإمكان للنمو بدلاً من التبعية. يجب أن نعيد تخيّل أمتنا بقادة يفضلون الأنظمة على الشخصيات، الجدارة على الولاء، والخدمة على الطائفية.

الحلول تبدأ بإعادة بناء الثقة. وهو ما يتطلب حكومة قادرة على المحاسبة، وقضاءً يعمل باستقلالية، واقتصاداً يكافئ الإبداع بدلاً من الاستغلال. يجب أن نتبنى الحوكمة الرقمية، ونصلح السياسات القديمة، ونتبنى المعايير العالمية في التعليم والرعاية الصحية والتكنولوجيا. التقدم لن يأتي بين ليلة وضحاها، والطريق ليس سهلاً، ولكن إذا بدأنا الآن، بأفعال جريئة وموحّدة، يمكننا بناء لبنان يضع رفاهية الإنسان فوق كل اعتبار.

الروح

إذا كان العام الماضي قد علّمنا شيئاً، فهو أن الأمل في لبنان لا ينكسر. على الرغم من الدمار، هناك روح أبدية ترفض الاستسلام. سواء سميناها إيماناً أو صموداً أو الروح اللبنانية، فإن هذه الإرادة غير القابلة للكسر بل للبقاء وإعادة البناء هي أعظم قوتنا.

لكن على الأمل أن يقترن بالمسؤولية. الأمل ليس حالة سلبية؛ إنه نشط ويتطلب أفعالاً. يدعونا إلى وحدة تتجاوز الانقسامات الطائفية ويُلهم حلولاً تخدم الجميع وليس فقط القلة المميزة. دعونا نجد تلك الأرضية المشتركة، سواء من خلال الإيمان أو الإنسانية أو حب الوطن، ودعونا نستخدمها كدليل نحو غد أفضل.

لقد سرق التطرف والانقسام ما يكفي منّا. بدلاً من الوقوع في فخ اليأس وإلقاء اللوم، دعونا نركّز على الحلول التعاونية. دعونا نرعى الأمل كقوة حية تدفعنا لإعادة البناء والتجديد بدلاً من الهدم والانقسام.

الجسد

لقد كشفت أحداث العام 2024 مدى هشاشة أنظمتنا. حكومات تفشل في الحكم، وبنية تحتية تنهار، وحدود تفتقر إلى السيادة، وتقنيات قديمة وغير آمنة. وهو ما أثبت أننا لا نفتقر فقط إلى الأنظمة، بل إلى الإرادة لإنشاء أنظمة تعمل لصالح الشعب.

الحل يكمن في الصمود من خلال التحديث. نحن بحاجة إلى أطر حوكمة قوية لا تقبل الفساد وتعمل بشفافية، وتقنيات حديثة لتعزيز الشفافية، ومؤسسات تحمي بدلاً من أن تستغل الشعب. يجب أن يتم تعزيز الحدود، ليس فقط مادياً ولكن أيديولوجياً، بحيث يبقى لبنان مكاناً للسلام والفرص بدلاً من ساحة معركة لمصالح خارجية.

كما نحتاج إلى إعادة التفكير في نهجنا نحو الاستدامة. إعادة بناء أنظمة الطاقة لدينا لتبني مصادر متجددة، وضمان الأمن الغذائي من خلال الزراعة الحديثة، وتعزيز أنظمة الرعاية الصحية لمواجهة الأزمات المستقبلية لم تعد رفاهية؛ إنها ضرورات للبقاء. يعتمد بقاء لبنان على قدرته على أن يصبح مكتفياً ذاتياً وقادراً على الصمود في وجه الضغوط الخارجية.

المستقبل

فليكن العام 2024 نقطة تحوّل في لبنان، وليس مجرد عام آخر من المعاناة. إذا أخذنا دروس وعِبر هذا العام بجدية – وأولينا الإنسان على السياسة، والتعاون على الانقسام، والتقدم على الحفاظ على الوضع الراهن – عندها يمكن للبنان أن يصبح أكثر من مجرد ذكرى لما كان عليه سابقاً.

كفى انتظاراً لقرارات الأخرين وموارد الغير. لا إيران، ولا سوريا، ولا السعودية، ولا إسرائيل، ولا أميركا، ولا أي دولة أو قوة تستطيع أن تبنينا أو تدمرنا إذا شئنا نحن أن نبني أنفسنا. مصيرنا في أيدينا، وقرارنا هو البداية.

https://hura7.com/?p=40556

الأكثر قراءة