الحرة بيروت ـ بقلم: مو حيدر، الرئيس التنفيذي للشؤون المالية في شركة ديالكسا/تكساس
يمكننا أن نعيش في إنكار الماضي والواقع، فنخسر المستقبل، أو نمتلك القدرة على مواجهة الموت بالحياة.
مستقبل لبنان لا يتعلق بمن ربح أو خسر، ولا يقتصر فقط على الأحداث التي وقعت في الماضي. هذه الأحداث قد تشكّل دروساً، لكنها لن تحدد مستقبلنا ما لم نستفد منها في اتخاذ قرارات مستنيرة.
ما يهم حقاً هو الرؤية التي نحملها للبنان. أفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل هي صناعته وقيادته بفعالية في الحاضر، وعدم انتظار التغيير بل العمل على تحقيقه. وهذا يتطلب توجيه طاقتنا وتركيزنا نحو الأولويات الحقيقية.
لتحقيق لبنان مستقر ومزدهر، علينا أولًا تحديد أولوياتنا، إذ إن غيابها سيجعلنا نكرر الأخطاء ذاتها، ونهدر الجهود والموارد والزخم. يجب أن تكون الأولويات هي المحرك الأساسي للأهداف والنتائج الرئيسية، لضمان انسجام كل قرار وسياسة مع مسار التعافي الوطني والنجاح على المدى الطويل.
الوضع الحالي: لبنان في أزمة غير مسبوقة
يمرّ لبنان بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، مع انهيار حاد في جميع المؤشرات الاقتصادية الأساسية، نتيجة الفساد، الحروب، الاغتيالات، سوء الإدارة، والانهيار المالي.
- التضخم: تجاوز 220% في عام 2023، وهو من الأعلى عالميًا، ما أدى إلى انهيار القدرة الشرائية.
- الناتج المحلي الإجمالي: تقلّص بأكثر من 50% بين 2019 و2021، حيث انخفض من 52 مليار دولار إلى 23 مليار دولار فقط.
- البطالة: ارتفعت من 11% في 2018 إلى أكثر من 40% في 2022، ما أدى إلى موجة هجرة كبيرة للكفاءات.
- الدين العام: تجاوز 350% من الناتج المحلي الإجمالي في 2021، ما يجعل لبنان من أكثر الدول مديونية عالميًا.
- انهيار العملة: فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 98% من قيمتها، وارتفع سعر الدولار من 1,500 ليرة قبل الأزمة إلى أكثر من 80,000 ليرة.
- البنية التحتية والخدمات العامة: قطاع الكهرباء منهار، الخدمات الأساسية مشلولة، والقطاع المصرفي في حالة إفلاس غير معلن.
هل سيختار لبنان الإصلاح والمستقبل، أم سيترك نفسه يغرق في الفوضى؟
- الحياد الإيجابي: الأساس للتقدم
بدون السلام، لا يمكن لأي إصلاح اقتصادي أو خطة تنموية أن تنجح.
لبنان جرّب الحرب وفشل. لا عيب في المحاولة والفشل، لكن إنكار الحقيقة يحوّل الفشل إلى واقع دائم.
يجب إنهاء التحريض الطائفي والانقسام السياسي، والتركيز على بناء دولة مدنية تحمي جميع المواطنين بالتساوي.
- الاقتصاد: المحرك للنمو
المؤلم حقًا أن لبنان دائمًا ما امتلك خيارات اقتصادية واضحة، لكن الحكومات المتعاقبة اختارت الفشل.
نظام تحديد الأهداف للوزراء: كيف نعرف من يعمل ومن “يتعامل”؟
في أي دولة تسعى للنهوض من أزمتها، لا يكفي أن يكون لدى الوزراء “خطط” و”وعود” وخطابات وشهادات، بل يجب أن يمتلكوا أهدافًا واضحة، مؤشرات قياس دقيقة، والتزامًا بالإبلاغ عن التقدم أو العوائق التي تعرقل التنفيذ.
كيف يتم التقييم؟
- يحدّد كل وزير هدفًا رئيسيًا لوزارته (Objective).
- يُقسَّم الهدف إلى نتائج قابلة للقياس (Key Results).
- يتم تقديم تقرير دوري عن الإنجازات أو العوائق التي تمنع التقدم (Blockers).
- يتم تحديد من يعمل بجد لتحقيق الأهداف، ومن يتهرب من المسؤولية.
أمثلة على الأهداف والنتائج الرئيسية لكل وزير وآلية التقييم
رئيس الوزراء
- الهدف: إصلاح الوضع الاقتصادي والأمني والسياسي في لبنان.
- النتائج الرئيسية (KRs): تنفيذ 50% من الإصلاحات المطلوبة لصندوق النقد الدولي بحلول 2025؛ وتقليل الفساد الحكومي بنسبة 30% عبر إصلاحات شفافة بحلول 2026.
- التقييم:
- إذا تم تنفيذ الإصلاحات: فهذا دليل على جدية الحكومة.
- إذا لم تُنفَّذ في الموعد المحدد: يجب توضيح العوائق، وإن لم تكن مقنعة، فهذا يعني أن هناك “مماطلة”.
وزير المالية
- الهدف: تقليل العجز المالي وإعادة هيكلة الدين.
- النتائج الرئيسية (KRs): تخفيض العجز بنسبة 40% بحلول 2026؛ وتحسين تحصيل الضرائب بنسبة 50% بحلول 2025.
- التقييم:
- إذا زادت الإيرادات وتم تقليل العجز: نجاح واضح.
- إذا لم يحدث أي تغيير: يجب تقديم تفسير، وإن لم يكن منطقيًا، فهذا تلاعب سياسي!
وزير الاقتصاد والتجارة
- الهدف: إعادة تشغيل الاقتصاد عبر الاستثمار والصادرات.
- النتائج الرئيسية (KRs): زيادة الصادرات بنسبة 50% بحلول 2026؛ وتحسين ترتيب لبنان في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال 10 مراتب بحلول 2027.
- التقييم:
- إذا بدأت الاستثمارات تتدفق والصادرات تنمو: هناك عمل حقيقي.
- إذا بقيت الأمور على حالها: يجب على الوزير أن يوضح سبب عدم تحقيق التقدم.
القرار الوحيد الذي يمنع التغيير الحقيقي هو غياب تحديد الأولويات، وليس “قدر لبنان“.