الحرة بيروت ـ بقلم: مو حيدر
عن أي قوة نتكلم ونحن نترك مصيرنا مرهوناً دوماً بقرارات الآخرين؟ وما هو مفهوم القوة أساساً لدى اللبنانيين؟ قوة لبنان ليست في ضعفه ولا في ترسانته ولا حتى في سلاحه. قوته الحقيقية تكمن في قدرته على لعب دور الممكن، وخلق سيناريو “رابح – رابح” لكل المنطقة. عندها يمكن للبنان أن يتحول من ساحة مستباحة إلى أرض تزدهر فيها مصالح شعبه وتُصان حقوقه.
هذا البلد الصغير، ورغم الأزمات التي يواجهها، إلّا أنه يتمتع بكثير من الإمكانيات: شعب مبدع وخلّاق، قوة مغتربين منتشرين حول العالم، موقع استراتيجي يجمع بين الشرق والغرب، تاريخ غني بقصص الصمود، ونسيج اجتماعي يجمع بين كافة الأطياف. هذه العوامل مجتمعة تجعل من لبنان أكثر من وطن، وتتوّجه فرصة للسلام والتطوير والازدهار. لدى لبنان اليوم، أكثر من أي وقت مضى، القدرة على تحويل نفسه من ساحة للصراعات إلى أرض للحلول والفرص، حيث على مصلحة شعبه أن تحتلّ المرتبة الأولى، وتكون باقي الأطراف الإقليمية والدولية شريكة في نجاحه هذا. فكيف له أن يخلق هذا السيناريو؟
شراكة إقتصادية مع أوروبا وأميركا والشرق الأوسط
السؤال المطروح دوماً: لماذا نحن بحاجة إلى مساعدة الآخرين؟ أما الحقيقة فبسيطة: ليس على أحد أن يساعدنا بل يجب أن نساعد أنفسنا، حيث تكون العلاقات الندية هي المفتاح، وتكون كافة الأطراف مستفيدة بشكل أو بآخر. فلبنان، وبسبب موقعه الجغرافي بين أوروبا والشرق الأوسط، قادر أن يكون بوابة للتعاون الاقتصادي.
- أوروبا، أميركا، والشرق الأوسط أطراف رابحة: إن استقرار لبنان يخفف من حركة الهجرة غير الشرعية، ويفتح الأبواب أمام شراكات اقتصادية في مجال التكنولوجيا والطاقة. كذلك توفر الكفاءات اللبنانية إنتاجاً عالي الجودة وبتكلفة أقل. وبالتالي يقلّل لبنان المستقر من نفوذ أخصامه في المنطقة ويخلق شريكاً ديمقراطياً بأقل تكلفة سياسية واقتصادية.
- لبنان طرف رابح: تقوم الاستثمارات الأجنبية بتحريك الاقتصاد خالقة فرص عمل للشباب اللبناني، ما يعيد بناء البنية التحتية بشكل أكثر ثباتاً. وبذلك لا يعود بإمكان اللاعبين الحاليين أن يحققوا أرباحاً خاصة على حساب الشعب اللبناني، كما يحصل اليوم، بل يكون لبنان قد فرض لنفسه ولشعبه ربحاً جديداً هو الآخر.
بيروت للسلام
لبنان، بلد السلام، قادر أن يكون أقوى من لبنان بلد الحروب. فالسلام لا يحرر وطننا من القيود فقط، بل من الأطماع الخارجية، وأولها الإسرائيلية. يليق لإسرائيل أن يبقى لبنان منهكاً وغير منتج وغارقاً في حروب تفوق قدراته، بينما لبنان المستقر يفرض نفسه كلاعب إقليمي منتج. السلام يجرّ السلام، ولبنان قادر أن يكون نموذجاً له. السلام يعطي الفرصة للبنان كي يبني اقتصاداً حقيقياً وليس اقتصاد “تسوّل” وتبعية.
- العرب طرف رابح: لبنان المستقر يخلق فرصة لحل القضية الفلسطينية، ويخفف التوترات الإقليمية.
- لبنان طرف رابح: إن دور لبنان كوسيط سلام يزيد من أهميته الإقليمية ويستقطب دعماً سياسياً واقتصادياً دولياً.
- كافة الأطراف رابحة: في هذه الحال تصبح بيروت منصة للسلام، تجمع المختلفين على رؤية مشتركة، وتساهم في صناعة مستقبل جديد للمنطقة.
مركز للتجارة والطاقة في المنطقة
يملك لبنان كل المقومات المطلوبة ليكون مركزاً إقليمياً للطاقة والتجارة.
- المنطقة طرف رابح: إن استثمار لبنان للغاز البحري يساهم في أمن الطاقة، خصوصاً لأوروبا، ويخفف من الاعتماد على مصادر محدودة.
- لبنان طرف رابح: تساهم عائدات استثمارات الطاقة في انتعاش الاقتصاد الوطني، وتمويل مشاريع تطوير البنية التحتية، وتحسين حياة المواطنين.
نموذج للتعايش والسلام
يقدّم لبنان، بنسيجه الديني والثقافي، نموذجاً فريداً للتعايش والقبول.
- المنطقة طرف رابح: إذا تمكّن لبنان من تجاوز انقساماته، فسيتحوّل إلى مصدر إلهام لدول المنطقة التي تعاني من نزاعات طائفية وقومية (مثل العراق، تركيا، وسوريا).
- لبنان طرف رابح: إن استعادة الثقة بين الناس من شأنها أن تخلق بيئة مستقرة للنمو والتنمية.
عدالة للفلسطينيين وللمرأة اللبنانية: مكسب داخلي وإقليمي
تُعدّ القضية الفلسطينية جوهر الصراع في المنطقة. فإذا أراد لبنان أن يتحرر فعلاً، عليه أن يبدأ بمعالجة ملفاته الداخلية، سواء تجاه الفلسطينيين المقيمين فيه أو بما يختص بقضايا العدالة الداخلية مثل حقوق المرأة.
- لبنان طرف رابح: إن نيل الفلسطينيين لحقوقهم المدنية كفيل بتحويلهم من مخيمات مسلحة إلى قوة إقتصادية وإنتاجية. ذلك لأن دمجهم في سوق العمل يساهم في النهوض بالاقتصاد اللبناني، وفي معالجة مشاكل المخيمات المسلحة.
- المرأة اللبنانية طرف رابح: إن إعطاء المرأة اللبنانية حقوقها من ناحية منح جنسيتها لأولادها من غير اللبنانيين يعزز مفهوم المساواة والانتماء، ويزيد من مساهمتها الفعالة في المجتمع.
- الفلسطينيون طرف رابح: نيل الفلسطينيين الكرامة والحقوق المدنية يفتح أمامهم أبواب المشاركة الإيجابية في المجتمع.
- المنطقة طرف رابح: في هذه الحال يتحول لبنان إلى نموذج للعدالة الاجتماعية التي تساهم في تحقيق استقرار دائم.
لماذا اليوم
لدى لبنان اليوم فرصة نادرة لقلب الموازين. الأزمات لا تعني الضعف، بل هي بوابة لإعادة البناء. الأزمة فرصة للبنان ليعيد تموضعه، وليكون هو الذي يفرض رؤيته للسلام، بدلاً من أن يبقى منتظراً اتفاقاً هشاً من هنا وطاولة مفاوضات من هناك.
ختاماً، الحلول واضحة وممكنة، لكن التحدي الحقيقي يكمن في قدرة صانعي القرار على تبنّيها وتنفيذها. وإن لم يكن هؤلاء أهلاً للثقة، فلماذا يستمر اللبنانيون في رهن مستقبلهم وأحلامهم بيد من يعجز عن قيادة البلاد نحو الاستقرار والسلام والازدهار؟