السبت, يناير 18, 2025
-0 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

مو حيدر ـ لبنان: قوة قد تولد من وحدة الأضداد

الحرة بيروت ـ بقلم: مو حيدر، الرئيس التنفيذي للشؤون المالية في شركة ديالكسا

يواجه لبنان اليوم أزمة معقّدة تشمل السياسة، المجتمع، والاقتصاد، حيث تتشابك هذه المجالات في دوامة من الفشل والانقسامات. أحد الأسباب الرئيسية لهذه الأزمة هو اعتمادنا المستمر على تضخيم دورنا وقدراتنا من خلال عوامل خارجية مؤقتة، بدلًا من بناء قدرات داخلية حقيقية ومستدامة.

الاعتماد على دعم خارجي أو تضخيم وهمي للقدرة يشبه استعارة رداء طبيب جراح والادّعاء بامتلاك مهارات الجراحة. قد يعطي هذا الوهم انطباعًا مؤقتًا بالقوة، لكنه يعرّض للانكشاف والفشل عند أول اختبار حقيقي.

السياسة حجر أساس للاستقرار

إن تبنّي سياسة الحياد الإيجابي والسلام الداخلي والخارجي (مع كافة الأطراف) يؤدّي إلى خلق بيئة مستقرة، ما يمهّد الطريق أمام بناء مجتمع موحّد واقتصاد قوي. من هنا يُعتبر تنفيذ قرارات الأمم المتحدة شرطًا أساسيًا لاستعادة الثقة الدولية بلبنان، ما يعزز الاستثمار والدعم الدولي.

كثيرة هي الفرص الاقتصادية المتاحة للبنان ومنها وأولها نظرية التكامل(Synergy). فما هو التكامل؟ هو المفهوم الذي يعني أن الناتج الإجمالي للعمل المشترك بين عناصر متعددة يكون أكبر من مجموع نتائج كل عنصر على حدة. بعبارة أخرى: 1+1 = 3 أو أكثر بدلًا من واحد، لا شيئ أو خسارة. ويقوم التكامل الذكي على مبدئين بسيطين:

  • ما ينقصنا كلبنانيين يمكن أن نحصل عليه من العالم الخارجي.
  • وما ينقص العالم الخارجي يمكن للبنان أن يقدّمه عبر نقاط قوته المتميزة.

هذا التبادل يحوّل لبنان إلى شريك استراتيجي بدلًا من بقائه دولة تعتمد على المساعدات أو الإعانات. وبالتالي، تكمن قوة هذا النهج في جعل لبنان لاعبًا محترمًا في الاقتصاد العالمي، لا تابعًا.

نقاط القوة اللبنانية التي يمكن استثمارها

  1. المواهب اللبنانية: لبنان غني بالكفاءات والمواهب في مجالات التكنولوجيا، العلوم، والمال. شباب لبنان يعملون بنجاح في أرقى المؤسسات حول العالم، لكن مع غياب بيئة داخلية داعمة، يتم استنزاف هذه الطاقات في الخارج. إذا استطعنا استثمار هذه العقول محليًا، سنحوّل لبنان إلى مركز إقليمي ودولي.
  1. لبنان كمركز خارجي (Offshore Hub) للتكنولوجيا والمالية: من خلال تطوير بنية تحتية تقنية حديثة وسياسات ضريبية مشجعة، يمكن للبنان أن يشارك شركات التكنولوجيا الكبرى، والبنوك العالمية التي تبحث عن مناطق منخفضة التكلفة والرسوم الضريبية لإدارة عملياتها. هكذا يستفيد الطرفان: الشركات الكبرى ستربح من خلال تخفيض التكاليف مع الوصول إلى مواهب لبنانية متميزة؛ أما لبنان فسيكسب جرّاء تدفق الاستثمارات، نقل المعرفة، وخلق فرص عمل محلية.
  1. التنوع الاجتماعي والموقع الجغرافي: موقع لبنان الاستراتيجي يجعل منه بوابة طبيعية بين الشرق والغرب. هذا الموقع يمكن استغلاله لجعل لبنان مركزًا لوجستيًا وتجاريًا يخدم الاقتصادات الكبرى التي تحتاج إلى ربط سلس بين الأسواق الأوروبية والآسيوية.
  1. التنوع الثقافي: يمكن للبنان، بتنوعه الثقافي والديني، أن يصبح مختبرًا للإبداع، وهو ما تحتاجه العديد من الدول الكبرى في ظل تصاعد الانقسامات العالمية.
  1. المغتربون كشبكة عالمية: يشكل المغتربون اللبنانيون شبكة دولية واسعة يمكن أن تفتح الأبواب أمام تعاون استراتيجي مع مختلف الدول والشركات الكبرى.

الاستفادة من الخارج دون تبعية

يحتاج لبنان إلى سلام وتعاون مع العالم، لكن هذا التعاون يجب أن يُبنى على التكامل والتبادل وليس على التبعية. فكيف يمكن للبنان أن يحصل على ما ينقصه؟

  • أولًا من خلال التكنولوجيا والبنية التحتية حيث تمتلك الدول الكبرى التكنولوجيا المتقدمة والموارد المالية الضخمة وبالتالي يمكن للبنان أن يجذب هذه الدول للاستثمار في تطوير بنيته التحتية، مقابل توفير بيئة عمل منخفضة التكاليف وسوق مفتوحة.
  • ثانيًا من خلال الخبرة الإدارية والتنظيمية حيث يمكن استقدام الخبرات الدولية لمساعدة لبنان في تحديث مؤسساته، مع التركيز على نقل هذه المعرفة للّبنانيين لضمان الاستدامة.

بدوره، يمكن للبنان أن يقدّم للعالم:

  • المرونة والكفاءة: اللبنانيون بارعون في العمل تحت الضغوط والتكيف مع التحديات. هذا النوع من المهارات مطلوب عالميًا في الأسواق التي تبحث عن حلول مبتكرة وسريعة.
  • الخدمات التقنية والمالية: تحتاج الدول الكبرى إلى مراكز خارجية تدير عملياتها بتكلفة أقل وبكفاءة عالية. إذا تم بناء بيئة تشريعية وإدارية مناسبة، يمكن للبنان أن يقدم هذه الخدمات بكفاءة، ليصبح مركزًا عالميًا للابتكار والخدمات.

علاقة الاعتماد المتبادل: طريق السلام والاستقلالية

يمكن أن يتحوّل الاعتماد المتبادل بين لبنان والدول الكبرى إلى أداة قوية تحقق ما يلي:

  • الاستقلالية الوطنية إذ سيتوقف لبنان عن اعتماد الهبات أو القروض المشروطة، ليصبح جزءًا من شبكة اقتصادية عالمية تضمن دخلاً مستدامًا يعتمد على نقاط قوته.
  • السلام الإقليمي والدولي بحيث، وعندما يصبح لبنان شريكًا اقتصاديًا أساسيًا للدول الكبرى، ستصبح هذه الدول حريصة على استقراره، ما يخفف من الضغوط السياسية والنزاعات الإقليمية.
  • تحقيق التوازن الداخلي من خلال التدفقات الاقتصادية الناتجة عن هذه الشراكة والتي ستوفر موارد لدعم الإصلاحات الاجتماعية والسياسية داخليًا، ما يعزز الاستقرار والوحدة الوطنية.

التكامل كأداة للاستقلالية الحقيقية

لبنان قادر على تحقيق السلام والاستقلالية، ليس عبر الحروب والعزلة أو الاعتماد الأعمى على الخارج، بل من خلال بناء علاقة متوازنة قائمة على التكامل الذكي. تحويل لبنان إلى مركز عالمي للتكنولوجيا والمال، مستفيدًا من مواهبه وموقعه ومرونته، سيجعله لاعبًا إقليميًا ودوليًا مؤثرًا.

القرار بيدنا: هل سنختار بناء بلد يعتمد على قوته الفريدة وعلاقاته المتكاملة، أم سنبقى أسرى التبعية والضعف؟

https://hura7.com/?p=40256

الأكثر قراءة