الحرة بيروت ـ بقلم: مو حيدر، الرئيس التنفيذي للشؤون المالية في شركة ديالكسا/تكساس
نصف قرن من التقدّم نحو التغيير… ثم الارتداد إلى الوراء.
نصف قرن من الانتظار: من ينهض؟ من يقرّر؟ من يعيد لبنان إلى ما كان عليه؟
بينما العالم من حولنا يمضي قدمًا… أحيانًا باسمنا، ودائمًا من دوننا.
الجميع، بلا استثناء، قاتل، أخفق، وتعامل. والأدلة؟ أوضح من أن تُنكر.
واليوم، وبعد كل ما سال من دماء… يجلسون إلى طاولة التفاوض.
لكن، فلنتخيّل للحظة…
لو أُتيح لنا الرجوع إلى 12 نيسان 1975، إلى ما قبل الحرب بيوم.
قبل أول رصاصة.
قبل أن تتحوّل بيروت من مدينة نابضة بالثقافة… إلى مدينة تعيش على أنقاض الذكرى.
هل كنّا لنختار الحرب؟
هل كنا سنُسلّم بأن الحل يأتي من فوهة بندقية أو من محور خارجي؟
هل كنا سندرك أننا سنقضي نصف قرن في ترميم ما دمّرناه بأيدينا؟
ماذا خسرنا؟
1975 – 2025: من الازدهار إلى الانهيار
• في سبعينات القرن الماضي، عُرفت بيروت بـ”سويسرا الشرق” ومثّلت مركزًا ماليًا وسياحيًا إقليميًا.
• الليرة اللبنانية كانت قوية: الدولار يُساوي 2.2 ليرة فقط.
• الصادرات كانت تُغطي أكثر من 60% من قيمة الواردات، والقطاع المصرفي كان يُعدّ من بين الأقوى في المنطقة.
ثم اندلعت الحرب… وبدأ العدّ العكسي:
• بين 1975 و1990: تقلّص الناتج، انهارت العملة، تراجع الإنتاج، وهاجر عشرات الآلاف.
• في التسعينات: سُجلت محاولات نهوض، لكن الفساد ترسّخ، والدين العام تضاعف.
• في الألفينات: تَرسّخ الركود، وتمّ التعويل على التحويلات بدل الإنتاج.
• بعد 2019: انهيار شامل.
• في 2020: تقلّص الناتج بنسبة 25%.
• التضخم تجاوز 200%.
• الليرة فقدت 95% من قيمتها.
• أكثر من 80% من الشعب بات تحت خط الفقر.
كلفة الفرصة الضائعة: ماذا لو لم تقع الحرب؟
لو اختار لبنان طريق السلام، لكان اليوم:
• مركزًا تكنولوجيًا وابتكاريًا في الشرق الأوسط.
• وجهة أولى للسياحة والثقافة، من بعلبك إلى صيدا.
• مصدرًا للطاقة النظيفة من الجنوب، لا مستوردًا للمازوت.
• منصّة حوار، لا ساحة صراع.
• بيئة حاضنة للشباب، لا طاردة لهم.
لو لم تحدث الحرب، لكانت الحياة مختلفة:
• الطالب اليوم لكان يبحث عن تدريب في شركة عالمية، لا عن تأشيرة سفر.
• المرأة كانت لتُنتخب وتُمثَّل فعليًا، لا أن تُحتسب في الأرقام.
• الجنوب كان يزرع ويُصدّر، لا يُقصف ويُهمَل.
• الناس كانت لتفكّر في المستقبل، لا في كيفية البقاء حتى الغد.
لكن… ماذا ننتظر؟
إذا كنّا ننتظر أن “نلعب ورقة”، فسنُلعَب. وإن كنّا نراهن على “صفقة”، فسنكون جزءًا من خسائرها.
أما إذا أردنا فعلًا أن نعيش، أن ننهض، أن نبني، فعلينا أن نقاتل… لكن من أجل السلام.
لا بالسلاح، ولا بالشعارات، بل بالوحدة، والعمل، والإنتاج، والكرامة.
هل نريد أن نبقى ورقة؟ أم نصبح وطنًا؟
السلاح لم يكن يومًا الحل؛ الحرب لم تبنِ بلدًا يومًا؛ والاستقواء بالخارج لم ولن يكون مخرجًا.
نحن من نقرّر: إما أن نكون ورقة في يد غيرنا… أو وطنًا حرًا، منتجًا، مستقلًا.
ما حدث قد حدث… لكن القرار بالبدء من جديد لا يزال بأيدينا.
آن الأوان أن يصبح وطنًا.
آن الأوان أن نوقف الخسارة،
ونختار المعركة الصحيحة: معركة بناء، لا معركة دمار.
لبنان يجب أن يكون أولًا.
وكل المصالح الأخرى… ما عادت تفرق.