الحرة بيروت ـ بقلم: مو حيدر، الرئيس التنفيذي للشؤون المالية في شركة ديالكسا
من السهل أن نحتفل، أن نسير مع التيار، أن نتجاهل أو ننكر الحقائق الصعبة. من السهل أن نعيش حياتنا كما هي، بعيداً عن التعقيدات، لكن الصعب هو مواجهة الحقيقة والإصرار على المبادئ. هذا ما ينطبق تماماً على لبنان، الذي يبدو وكأنه عالق في دوامة لا تنتهي من الأزمات والانقسامات.
حلقة مفرغة من الأزمات
لبنان، رغم امتلاكه كل مقومات السيادة والوحدة، فشل في التحول إلى دولة قوية ومستقلة. بدلاً من أن يتعلم من تجاربه، استمر في السقوط ضحية التأثيرات الخارجية والانقسامات الداخلية. تحرير الجنوب عام 2000 كان فرصة لإعادة بناء الدولة، لكنه سرعان ما أضاع هذا الإنجاز بسبب رفض الاندماج في مشروع الدولة، واستمر ذلك النمط بعد حرب 2006، حين أُزهقت الأرواح وتكررت الحلول المتأخرة تحت ضغط الواقع.
“الإنجازات” بين قوسين
ما حدث يوم الأحد الماضي ليس جديداً علينا. الشعور بالفرح المؤقت سرعان ما يتبدد أمام حقيقة أن “الإنجازات” أصبحت محصورة في الموت أو مجرد البقاء على قيد الحياة. لماذا لا تكون إنجازاتنا افتتاح مدارس وجامعات جديدة؟ لماذا لا نرى أجيالنا تستثمر في المستقبل بدلاً من الغرق في دوامة الصراعات؟
مأساة فقدان 22 شخصاً بسبب التأخير الإسرائيلي والاستعجال اللبناني هي مشهد مؤلم، لكنه ليس فريداً في سجل الخسائر. الأمر نفسه حدث في السابق، حين ضاعت الفرص واستُنزفت الأرواح دون تحقيق أي تقدم ملموس.
فرص ضائعة وسنوات مُهدرة
منذ تحرير الجنوب وحتى اليوم، أُهدر 25 عاماً في دورات متكررة من الصراعات والحروب بالوكالة، بدلاً من بناء دولة موحدة ومزدهرة. الانهيار الاقتصادي، التفكك الاجتماعي، واستنزاف الموارد ليست سوى نتائج مباشرة لغياب الرؤية الحقيقية والقيادة المسؤولة.
إذا استمرت هذه الحلقة المفرغة، فإن المستقبل لن يكون سوى امتداداً لهذا الماضي المرهق. المطلوب اليوم هو الاعتراف بأننا نسير في الاتجاه الخطأ، وأن استمرار استخدام نفس النهج لن يؤدي إلا إلى المزيد من الكوارث.
قيادة مسؤولة ومطالب شعبية
كسر هذه الحلقة يتطلب شجاعة سياسية ورؤية موحدة تضع مصلحة الشعب اللبناني فوق كل المصالح الخارجية. القيادة الحقيقية هي التي تدرك أن الانتصارات المؤقتة ليست كافية، وأن بناء دولة قوية يتطلب قرارات جريئة تعيد الثقة للمواطن اللبناني.
الشعب بدوره عليه أن يرفض القبول بالواقع الحالي وأن يطالب بتغيير جذري. الفرصة لا تزال متاحة، لكن هذا يتطلب إرادة جماعية للتخلص من عبء الماضي ووضع لبنان على طريق الاستقرار والازدهار.