الحرة بيروت – بقلم: مو حيدر
فقدنا أكتر من 3,700 شخصاً. أرواح ذهبت بدم بارد: نساء، أطفال، شباب ومسنون. لكل واحد منهم حياة مليئة بالأحلام، عائلة تنتظره، وذكريات لا تُعوّض. مليون و400 ألف مواطن بلا منزل، بلا أمان، بلا أمل. البيوت أصبحت ركاماً، المستشفيات مغلقة، والمدارس ملجأ للنازحين بدل أن تكون ملاذاً للتعليم. لبنان لم يعد يحتمل أكتر من ذلك. وقف إطلاق النار لا يعني نصراً ولا انتصاراً لأي طرف. هو لحظة تستلزم التفكير بالأسباب التي أوصلتنا إلى هذا الدرك والسبل الكفيلة بإيقاف هذا النزف للأبد.
فرصة للتأمل وإعادة البناء
منذ العام 2000، كان أمام لبنان واللبنانيين الكثير من الفرص الذهبية للخروج من دوامة الحروب وبناء دولة حديثة، لكنهم أضاعوها. الطائفية، الفساد، والولاءات الخارجية أفقدتنا طريقنا، وتركتنا أسرى لصراعات لا تخدم سوى أصحاب المصالح.
وقف إطلاق النار اليوم ليس مكسباً لأي طرف ضدّ طرف آخر، لا بل هو دعوة للتغيير، لتصحيح المسار، وللخروج من الماضي إلى مستقبل جديد تتوزع فيه المطالب الأساسية على الشكل التالي:
- الخروج من دوامة الحروب التي أثبتت أنه لا نصر فيها. كل الأطراف خاسرة، والوطن هو الضحية الكبرى.
- الإصرار على جيش واحد لكل لبنان وهو الجيش اللبناني الذي يجب أن يكون القوة الوحيدة المنتشرة في كافة المناطق اللبنانية، ذلك لأن السلاح خارج الدولة هو وصفة للفوضى والدمار.
- السعي وراء أولوية الحياة حيث على الشعب اللبناني أن يقرر العيش والبناء وأن يضع حياته ومستقبله فوق أي مصالح أو أجندات خارجية.
- رفض أي تمويل مرهون بأثمان سياسية والمطالبة بأن يكون لبنان هو مصدر تمويل نفسه وإليه توجه خدمات أبنائه.
- نشر الوعي الكافي لإدراك أن المواطن اللبناني هو الأولوية وأن الوحدة الوطنية هي المفتاح وأن الطائفية لا تبني وطناً.
الأيام الستون المقبلة ليست مجرّد فترة تنفيذ وقف إطلاق النار بل هي لحظة مفصلية علينا أن نتعامل معها بحزم ودعم من خلال:
- ضمان الالتزام بتنفيذ الاتفاق بدقة دون خروقات أو تسويات ضعيفة.
- تعزيز المؤسسات وأبرزها المؤسسة العسكرية حيث يحتاج الجيش اللبناني لدعم الشعب والقيادة ليكون القوة الوحيدة على أرض الوطن.
- إعادة بناء الثقة بين الشعب ودولته، وبين لبنان والمجتمع الدولي.
إذا تعاملنا مع هذه الفترة كفرصة حقيقية للإصلاح، يمكننا أن نضع لبنان على طريق جديد. لكن إذا فوّتناها كسابقاتها، ستكون مجرد هدنة قصيرة تنتهي بحرب أشد دماراً.
اليابان: درس للنهوض
في هذا السياق لا بدّ وأن نعود بالذاكرة إلى اليابان، بعد الحرب العالمية الثانية، حين كانت مدمّرة تماماً. لكنها اختارت التعليم، الابتكار، والصناعة بدل الحروب. قررت أن الإنسان هو الثروة الحقيقية، وأن الوطن هو الهدف. هذه التجربة يجب أن تكون نجمنا الذي نهتدي به. إذا استطعنا أن نستلهم منها، يمكننا أن نبني وطناً قوياً بلا سلاح، وطناً يوحدنا حول رؤية مشتركة للحياة الكريمة.
خياران: نهاية الحروب أو بداية جديدة لها
لبنان اليوم أمام مفترق طرق:
- إنهاء الحروب للأبد في حال أدرك كيفية التعامل مع وقف إطلاق النار باعتباره فرصة للتأمل والتغيير، فيضع حينها نهاية لهذا الوطن المدمّر ليبدأ مساراً جديداً. وهذا ما يتطلب شجاعة وقيادة حقيقية ووحدة وطنية.
- تكرار نفس الأخطاء في حال تمّ التعاطي مع القرار كاستراحة مؤقتة بدل أن يكون نهاية للعنف. فالحرب التالية ستكون أسرع مما نتخيل، وستحمل معها دماراَ أكبر في الاتجاهات كافة.
أمل جديد: لبنان يستحق الأفضل
فليكن اليوم مناسبة لنتذكر كل من فقدناهم، وكل من تمّت التضحية بهم. وليكن لبنان أولويتنا، والشعب اللبناني هدفنا، والجيش اللبناني القوة الشرعية الوحيدة. وقف إطلاق النار ليس لحظة احتفال، بل دعوة للتغيير والاختيار. إما أن ننطلق نحو بناء وطن يليق بتضحياتنا، أو نترك للأجيال القادمة نفس الحروب التي قضمت حياتنا. الخيار لنا والوقت لم يعد يكفي لكثير من التفكير.