الحرة بيروت ـ بقلم: ميشال معيكي، كاتب وأكاديمي وفنان تشكيلي
أحداث وتطورات الأيام الماضية شكّلت مفاصل غير مسبوقة في الحياة السياسية اللبنانية، لعلّ أهمها مفاصل البيان الوزاري. منذ عقود لم يسمع المواطنون اللبنانيون توجهات سيادية. هي خريطة طريق لعمل الحكومة شكلت صدمة إيجابية. لطالما تاق المواطن سماعها بعد سنوات من إملاءات خارجية على الحكومات المتعاقبة، قضت على مفهوم سيادة لبنان واستقلاله، وبقوة السلاح والإخضاع.
لعلّ أهم ما تضمنه هذا البيان التاريخي هي اللهجة السيادية – الاستقلالية. بناء دولة تمارس حق لبنان بواسطة قواه الشرعية – أي الجيش اللبناني – الدفاع عن ترابه وحماية الحدود، تطبيقاً للدستور ومندرجات اتفاق الطائف تحديداً، ووفقاً لميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان… كما تضمن البيان توجهاً لإصلاحات متنوعة في غير نطاق وقطاع – كما ورد في خطاب القسم للرئيس عون.
وتجدر الإشارة إلى خلوّ البيان من ثلاثية “جيش – شعب – مقاومة” تأكيداً على حصرية السلاح بيد الدولة وأحقية قرار الحرب والسلم.
بيان بعبدا الثلاثي التوقيع (عون، برّي، سلام) جاء توكيداً على وحدة القرار الدستوري الوطني، في ما يتعلق خاصة بتعنّت إسرائيل في استمرار احتلالها نقاطاً خمساً في الجنوب بحجج واهية، تشكل انتهاكاً صارخاً لتفاهم وقف إطلاق النار (26/11/2024) ولقرار مجلس الأمن 1701 (2006) ولضمانات أميركية – فرنسية.
مشهد آخر
لعلّ أكثر ما يُفرح نتنياهو وصول ترامب إلى البيت الأبيض. لم ننسَ هداياه في الحقبة السابقة لإسرائيل، حول نقل السفارة الأميركية إلى القدس وتأكيده على يهودية إسرائيل القومية، وصفقة القرن بمساعي صهره كوشنر.
هذا الترامب يوفّر دعماً أعمى هائلاً لتوجهات نتنياهو الإجرامية في غزة، التي يريدها ترامب “ريفييرا الشرق الأوسط” كعقار سياحي، وكأنها مشاعات فالتة.
غريب أمر هذا الرجل الذي دفع أزلامه إلى احتلال مبنى الكابيتول، حصن الديمقراطية الأميركية – كما أسماها جورج واشنطن. والتساؤل الكبير كيف نسي الأميركيون هذا العمل الإرهابي وأعادوا انتخابه؟
هذا الترامب – سمسار العقارات – يرى مساحات ودول كوكب الأرض مشاعات لا أصحاب لها ويعتبر الاستيلاء عليها عملاً “بسيطاً” مشروعاً.
باستغراب سمعناه يطالب بضمّ كندا إلى أميركا، والاستيلاء على قناة باناما، وضمّ غرينلاند الدانمركية ذات الحكم الذاتي إلى نطاق أمني أميركي، لأسباب استراتيجية واقتصادية.
قبل فترة شاهدناه وهو يشرح للعالم أن مساحة إسرائيل لا تتجاوز حجم قلم صغير على خريطة الشرق الأوسط ويجب ويحق لها أن تتوسع.
هذا الكلام تزامن مع طموحات إسرائيل بتهجير سكان غزة والضفة الغربية على مصر والأردن، وبقاء احتلاها للمواقع الخمس في جنوب لبنان… بدعم من سمسار البيت الأبيض… والسلام.