الحرة بيروت ـ بقلم: ميشال معيكي، كاتب وأكاديمي وفنان تشكيلي
عشيّة ولادة الحكومة الموعودة، جميعنا يترقب توجهات العهد الجديد، بتفاؤل ورجاء بالخير للبنان. فيما يتحفّز العهد لانطلاقة ورشة الإصلاح الشاملة، للقطاعات عامة، نشهد تزاحماً وشروطاً لاستئثارات “مقاطعجية” للاستيلاء على وزارات معيّنة فقط، للوصول إلى النفوذ والجبنة. وكأن لا ديون على البلد ولا فقر بين الناس أو بطالة وإفلاس وهجرة.
في الزمن الماضي، نادراً ما سمعنا مسؤولاً يعرض خطة خمسية أو ثلاثية وسواها، لقيام إنماء شامل… مرّة يتيمة حصل ذلك، خلال عهد الرئيس فؤاد شهاب، يوم استعان ببعثة إيرفد، برئاسة الأب لوبريه. وبعد غير عهد، أُلغيت وزارة التخطيط وصار شغل الوزراء ارتجالاً عشوائياً مبنيّاً على المزاج والمصلحة. ثم يأتي وزير يلغي قرارات مَن سبقه فيما الوطن يتخبط.
وفقاً لمنظمة الشفافية الدولية للعام 2023، صنّفت لبنان في المرتبة 149 من أصل 180 دولة الأكثر فساداً في العالم. فيما احتلّت الدانمرك موقع الشرف، تلتها نيوزيلاندا.
سمعنا تكراراً تصنيفاً بشعاً لأهمية الوزارات وتراتبياتها. قالوا: وزارات سيادية. بعدها خدماتية. وباقي الوزارات Bon Point. وفي أحسن الحالات “سمحة نفس” لإكمال العدد، ورضوخاً للدستور.
على سبيل المثال، لم نسمع زعيماً أو رئيس حزب أو مستوزراً يبدي طموحاً لتولّي وزارة الثقافة. يبدو أن وزارة الثقافة، وتحديداً وزارة “بناء الإنسان”، لا تناسب أحداً، وأن موازنتها هزيلة مضحكة لا تغري!
في العام 1959، بُعيد قيام الجمهورية الخامسة في فرنسا، استدعى الجنرال ديغول ميشال دوبري (Michel Debré) السياسي والحقوقي البارز، وذلك بعد تعيينه رئيساً للحكومة، وأوعز إليه: “إتصلوا بالكاتب الكبير André Malraux واصقلوا له وزارة للشؤون الثقافية. إن وهجه يعطي بريقاً فكرياً ووطنياً وإنسانياً للجمهورية، ودفعاً لمسيرة فرنسا الحضارية، وتكريماً لخالدي الـPanthéon”.
أيها السادة، لسنا فرنسا، لكنه جبران والريحاني ونعيمه وسعيد عقل ودَبَغي والصبّاح وأمين معلوف وسواهم. كُثر لا يقلّون قيمة وتأثيراً في الفكر والثقافة عن Molière وGide وMaupassant وسواهم في آفاق النهضوية الحضارية الإنسانية!
سبعينيات القرن الماضي، وفي أسبوع تكريم ميخائيل نعيمه، وفي قصر بعبدا، شاهدنا الرؤساء الياس سركيس وسليم الحص وأسعد رزق، كلهم وقوفاً وكان نعيمه جالساً على كرسي مجد الأدب والفكر.
ذات يوم، وللتاريخ، وقفت دولتنا في حضرة الثقافة… مرّة يتيمة… أملنا ألّا تكون وزارة الثقافة في الحكومة الآتية جائزة ترضية أو النسيب الفقير…