الحرة بيروت ـ بقلم: ميشال معيكي، كاتب وأكاديمي وفنان تشكيلي
أخيراً اكتمل عقد الهيكلية الدستورية للدولة مع انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف شخصية لتأليف حكومة وبوجود رئيس للبرلمان. وانتظمت الميثاقية… نعم!
سمعنا في اليومين الماضيين، بُعيد الاستشارات النيابية في بعبدا، كلاماً عالي السقف، عن افتقاد صفة “الميثاقية” عمّا حصل، وبأن انقلاباً تمّ على شكل خديعة عبر تكليف القاضي نواف سلام بتشكيل الحكومة بدلاً من الرئيس ميقاتي، مرشّح الحزب. وبأن إقصاءً يُنفّذ بحق حزب الله. الواقع غير ذلك تماماً. فالنواب المسلمون والمسيحيون اقترعوا لسلام بعملية دستورية خلال استشارات دستورية.
الميثاقية – يا سادة – تعني توافق المسيحيين والمسلمين، سواسية، على إدارة شؤون الجمهورية… كلام عمره من زمن الاستقلال بين الرئيس بشارة الخوري ورياض الصلح، بما عُرف يومها بالميثاق الوطني.
سؤال ساذج: نواف سلام، الذي اعترض بعضهم على تكليفه، هو شخصية وطنية بامتياز. جدّه سليم علي سلام، أحد مؤسسي الحركة الإصلاحية في بيروت ضدّ السلطنة العثمانية. هو محامٍ، أستاذ جامعي، ترأس مجلس الأمن في العام 2013 كمندوب للبنان، وانتُخب رئيساً لمحكمة العدل الدولية في لاهاي عام 2024. وفي ثقافته حمولة شاحنة من الشهادات من جامعات العالم. إلى جانب مؤلفات دستورية في القانون والسياسة والتاريخ، بينها اتفاق الطائف.
الإصلاح الممكن المنشود والحالة اللبنانية
للتذكير، وقف نواف سلام بحزم إلى جانب القضية التي رفعتها دولة جنوب إفريقيا بشأن الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل على شعب فلسطين. إضافة إلى عدد كبير من التصويتات لصالح القرارات التي طرحتها الجمعية العامة للأمم المتحدة حول عدوانية إسرائيل ضد فلسطين وجرائمها بحق لبنان، لمن يريد أن يفهم الرجل!
نعود للميثاقية: كلام نائب المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الشيخ علي الخطيب، في قصر بعبدا كان وطنياً عقلانياً صافياً ومذكراً بأن “السلاح ليس مقدساً لدينا، بل وحده البلد وكرامة شعبه”، وبأن لبنان لا يبنى على عداوات بين الطوائف. موقف يذكّرنا بعظة الإمام موسى الصدر على مذبح كنيسة الكبوشية في ستينيات القرن الماضي.
دعونا نعترف علمياً وعقلانياً ووطنياً بأن لبنان بلد انهكته الحروب الدونكيشوتية والسياسات العقيمة، وجاء وقت إعادة إعمار الخراب وإحياء مؤسسات الدولة وتفعيل دورها. ذوقاً، لنتخلَّ عن المناكفات والمحاصصات وشهيات أكَلة الجبنة.
ببساطة وبلا مواعظ أيها السياسيون، لدينا فرصة… أتركوا الصالحين “الأوادم” يعملون. ترفّعوا عن أنانياتكم البذيئة ولنبدأ عهداً خلاصياً. أولوياتنا الوطنية، وصحة لبنان وشعبه. “إحترموا أنفسكم والكتاب”، كما قال يوماً الرئيس الكبير فؤاد شهاب. والسلام…
