الحرة بيروت ـ بقلم: ميشال معيكي
الطيّب المُحبّ. المتسامح الإنساني الشمولي. الطالع من أحياء بوينس آيرس الفقيرة في الأرجنتين. المتردّد إلى صالات السينما القديمة وإلى ملاعب كرة القدم، لاعباً ومصفّقاً. المغروم بموسيقى وغناء التانغو الأرجنتيني مع كارلوس غارديل والموسيقي أستور بيازولا.
هذا الذي ارتقى ذات يوم من العام 2013 إلى كرسي بطرس تاركاً اسم الولادة “خورخي ماريو بيرغوليو” ليصبح “البابا فرنسيس”.
غداً تشارك في جنازته قيادات العالم السياسية والدينية تمهيداً لانتخاب الخلف.
البابا فرنسيس جاء من خارج النمط الفاتيكاني التقليدي. فهو من خارج أوروبا. إصلاحي، متمرّد على النمطية، هزّ الكنيسة بإصلاحات جوهرية في الطقوسية والمفاهيم الجامدة.
ببساطة وتقشّف دخل بيوت الفقراء والمضطهدين في العالم، واهتمّ بقضايا المهاجرين ومكافحة الجوع، ودعا لوقف الحروب ومآسيها خاصة عذابات أهل غزة في فلسطين، قائلاً بوجه الإسرائيليين: “أوقفوا الحرب”.
وفي عظته الأخيرة تصدّى لإرادة الموت جرّاء الحروب والنزاعات قائلاً: “الله خلقنا للحياة، ونور الفصح يدعونا لهدم جدران الفصل والحقد”.
بعض الإسرائيليين قالوا: “العالم أفضل بغيابه”.
من مآثره الكثيرة ودعوته المتكررة لتعزيز السلام والتعايش بين الشعوب التوقيع على “وثيقة الأخوة الإنسانية” بين المسيحيين والمسلمين مع شيخ الأزهر أحمد الطيب في أبو ظبي في العام 2019، والتي تدعو إلى المساواة وحرية المعتقد ورفض اضطهاد الأقليات وتوحيد الجهود لخدمة وإحقاق القيم الإنسانية المشتركة.
أسباب عديدة دفعت القيادات الدينية والسياسية في لبنان – مسيحية وإسلامية – إلى التعزية بوفاة الراحل الجليل. واللافت اللائق إعلان الحداد الرسمي وتنكيس العلم فوق قصر بعبدا.
تاريخ العلاقة بين الفاتيكان ولبنان – الوطن قديم ومتجذّر. فعلى سبيل المثال، خصّص البابا يوحنا الثاني في العام 1997 سينودساً من أجل لبنان، حمله إرشاداً رسولياً على الرجاء الجديد والدعوة للعيش المشترك. وقوله الشهير: “لبنان أكثر من وطن… إنه رسالة”.
في فترة الحرب العالمية الثانية، وخلال النقاش حول تأثير الفاتيكان على السياسة الدولية، تساءل ستالين أمام روزفلت وتشرشل، وبلهجة استهزائية: “كم عدد دبابات الفاتيكان؟”. جاء الجواب بعد عقود… البابا يوحنا بولس الثاني أسهم في إسقاط شرعية ستالين في بولندا وأوروبا الشرقية، بلا دبابة واحدة.
ملاحظة: جوزيف ستالين، في مطلع شبابه في جورجيا، أحس بدعوة كهنوتية. توجه إلى الدير ثم طُرد. وكاد أن يكون الخوري يوسف دجوغاشفيلي، لكن لسوء الحظ صار ستالين، أي الرجل الفولاذي.
*ميشال معيكي: كاتب وأكاديمي وفنان تشكيلي
رابط المقال: https://hura7.com/?p=50588
رابط العدد: https://hura7.com/?p=50468