بيروت ـ بقلم: ميشال معيكي، كاتب وأكاديمي وفنان تشكيلي
أمام مدرسة الضيعة نصطفّ، نرفع العلم بالحبل، معلّقاً على شلوح شجرة الزنزلخت. “نرندح” النشيد الوطني ونصفّق للوطن. كنا نفاخر برموز الاستقلال: صلعة بشارة الخوري وطربوش رياض الصلح، واللواء شهاب يسلّم علم الاستقلال للشيخ بشارة! بالنسبة لنا، كانوا “الفرنساوية” في البلد. “نرفزوا – فلّوا”. عيّدنا، هيّصنا، ونقشنا للمناسبة على صخور نهر الكلب.
يومها كان الوالد جندياً في “عسكر” لبنان. على صدره وسام بشكل عَلَم. وآخر تذكير بموقعة “المالكية” وعلى الرأس أرزة لبنان. “جِربَنديّته” على الظهر، وبارودة فرنساوية 1936 “رطلَين”. كان يترك البيت مع عاصفة الصباح، قبل صحوة الديك… كان نفراً في جيش الاستقلال.
صارت ذكرى الاستقلال موجعة بالتزامن مع إجرام إسرائيل على الجنوب وتداعيات اتفاق القاهرة وفتح لاند ودويلة ياسر عرفات وأخيراً، دويلة حزب الله. خناجر ذبحت الدولة اللبنانية وطعنت الدستور والمؤسسات الشرعية.
قراءة في واقع الحال
- الاستقلال بالمختصر هو سيادة الدولة والقانون.
- إسرائيل تدمّر وتقتل وتهجّر ربع سكان لبنان من قراهم.
- عدد النازحين السوريين وصل إلى حوالى المليونين ونصف المليون، تدعم وجودهم قسرياً، مادياً، سياسياً ومالياً دول أوروبا والمنظمات الدولية. النظام السوري لا يريدهم والغرب يخشى تسلّلهم إلى مدنه.
- مخيمات الفلسطينيين تضمّ حوالى النصف مليون وتشكّل جزراً مسلحة خارجة عن سيطرة الدولة. جميع هؤلاء الأغراب يشكلون عبئاً اقتصادياً مرهقاً على البلد، وتهديداً خطيراً للهوية اللبنانية، مضافاً إلى ذلك هجرة الشباب اللبناني إلى الخارج بما لا يقلّ عن 700 ألف شاب ومعظمهم من ذوي الكفاءات العالية.
- إقتصادياً، انهارت العملة الوطنية وقام مصرف لبنان – خلال ولاية السيء الذكر رياض سلامة – بالاشتراك مع المصارف بسرقة ودائع المواطنين، فساد الفقر والخلل الاجتماعي.
- سياسياً، وخلافاً للدستور، ساد الشغور في رئاسة الجمهورية، وهي رمز وحدة البلد، منذ سنتين. في ظلّ حكومة تصريف أعمال منقوصة الصلاحيات ومجلس نيابي مشلول يجتمع على القطعة وحسب المزاج. إضافة إلى قضاء مسيّس أو مكبّل، في أحسن الظروف.
- أما اجتماعياً فانهيار خطير في تأمين الخدمات العامة، وغلاء فاحش بسبب فجور التجار.
حضر هوكشتاين لتفعيل القرار 1701 ومحاولة إنهاء الحرب. أما شرط إسرائيل للموافقة: فرض حرية التدخل العسكري إذا أخلّ حزب الله بالاتفاق. وهنا خطران: تعجيز من خلال الاعتداء على السيادة اللبنانية وهذا أمر مرفوض على الصعيد الوطني؛ وتنصيب حزب الله والياً على لبنان الشرعي، يفاوض ويعارض ولا رأي للدولة ولمكوّنات لبنان. هذا الوضع يذكّرنا بتوقيع اتفاق القاهرة الذي أعطى الفلسطينيين حق التسلّح وحق اقتطاع مناطق من جغرافيا لبنان. يومها وحده العميد ريمون إدّه كان لديه جرأة الـ”لا”.
أطماع إسرائيل بأرضنا وبثرواتنا الوطنية من مياه ونفط وغاز واضحة. وهنا تذكير بإهداء بعض الجهات الموقع 29 بالترسيم البحري لإرضاء إسرائيل وبهمّة الوسيط النشيط هوكشتاين.
وبالعودة إلى مضمون القرار 1701، الواضح تماماً، فقد نصّت الفقرة الثالثة منه صراحة على بسط سيطرة الدولة اللبنانية على جميع أراضيها. معطوفة على القرار رقم 1559 الصادر في العام 2004 حيث تنص المادة الثالثة منه على حلّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها. والعودة تأكيداً إلى نصوص اتفاقية الهدنة (23 آذار/مارس 1949) بين لبنان وإسرائيل بوساطة الأمم المتحدة.
تذكير لمن يعنيهم الأمر: حاولت طوائف لبنان كلها خلال السنوات الماضية الاستئثار بحكم لبنان. فشلت وولّدت شروخاً خطيرة بين المكوّنات الوطنية. الأمل بأن يستوعب حزب السلاح الخارج عن شرعية الدولة هذه الحقيقة ويتحول إلى حزب سياسي كما سائر الأحزاب. وحده الجيش يجب أن يحمي لبنان كما في دول العالم. وكفى هرطقة.
جاء في ورقة الإصلاح السياسي التي كتبها الإمام موسى الصدر في العام 1977 رفض جرّ لبنان إلى أي محور سياسي إقليمي أو دولي. كما دعا الإمام المستنير، محمد مهدي شمس الدين، في “وصاياه” إلى رفض أي مشروع خاص للشيعة ضمن المشروع الوطني العام والانتظام في الشرعية اللبنانية الجامعة.
إيران التي يفاخر حرسها الثوري بأنه يسيطر على خمس عواصم عربية عبر أتباعها في اليمن والعراق وسوريا وغزة، إضافة إلى إملاءاتها في قلب العاصمة بيروت، عبر مسؤوليها. هذه الإيران لا تهتم سوى لمصالحها ونفوذها في المنطقة وخوض الحروب بدماء شبابنا اللبنانيين. العواصم التي تهيمن عليها تحولت مدنها خراباً وشعوبها لقطاء فقراء منكوبين.
عندنا يقول الناس غضباً: “تعبنا من سياساتكم ويئسنا من مقولتكم الهاتكة بأن كل شيء وارد”. نريد أن نفهم إلى أين؟ وإذا نحن لا نزال واردين في وطن وارد؟ ترى، هل جنزر الوطن في عقولنا؟