الحرة بيروت ـ بقلم: نادين موسى
يمثّل التشكيل الوشيك لحكومة لبنانية من 24 وزيراً، مع احترام التوازن الطائفي التقليدي في لبنان، نقطة انتقالية حاسمة. هذا التطور، الذي تحقق من خلال التفاوض مع “الثنائي الشيعي”، يدلّ على تقدم عملي في كسر الجمود السياسي. ومع ذلك، فإن المقياس الحقيقي للنجاح لا يكمن في تركيبة الحكومة، بل في التزامها بالتحول.
يقف لبنان على عتبة ما يجب أن يكون أكثر من مجرد تغيير إداري. إن إشراك الخبراء في شؤون الدولة أمر واعد، لكن الخبرة وحدها لا يمكن أن تضمن النقلة النوعية التي تحتاجها بلادنا بشدة. يجب أن تمتد ولاية هذه الحكومة إلى ما هو أبعد من إدارة الوضع الراهن. يجب أن تكون بمثابة الجسر بين ماضي لبنان المضطرب ومستقبله المنشود.
لقد أظهر المجتمع الدولي استعداداً غير مسبوق لدعم تعافي لبنان. ويوفر الدعم الخماسي، إلى جانب الانخراط الإقليمي المتجدد، أساساً لإصلاح ذي مغزى. ومع ذلك، يبقى هذا الدعم مشروطاً بخروج واضح وحاسم من أنماط الحكم التي أدّت إلى أزمتنا الحالية.
إلى الوزراء القادمين: يجب أن تقترن خبرتكم الفنية بالشجاعة الأخلاقية. فكل قرار تتخذونه يجب أن يعطي الأولوية للتعافي الوطني على المصالح الطائفية. ويجب أن تهدف كل سياسة تطبقونها إلى بناء مؤسسات تخدم جميع اللبنانيين، وليس فقط المصالح الفئوية والطائفية. سوف يقاس نجاحكم ليس بقدرتكم على التعامل مع الأنظمة القديمة، بل بشجاعتكم في تفكيكها لصالح حكم حديث وفعال وشفاف.
إلى الرئيس عون ورئيس الوزراء المكلّف سلام: إن قيادتكما في هذه اللحظة تحمل في طياتها ثقل التبعات التاريخية. فتشكيل الحكومة ليس سوى الخطوة الأولى. توجيهها وتمكينها لإحداث تغيير حقيقي يقعان على عاتقكما. إن الشعب اللبناني سيحكم على هذه الحكومة، ليس من خلال توازنها الطائفي، بل من خلال قدرتها على تحقيق إصلاحات ملموسة تحسّن الحياة اليومية.
لقد ولّى زمن أنصاف الحلول والتغييرات التجميلية. لبنان يحتاج – كما يطالب شعبه – إلى إعادة تصوّر أساسي للحكم. ويجب أن يشمل هذا التجديد رؤية شاملة للتعافي الوطني تتجاوز الإصلاحات الاقتصادية. فهي تتطلب إقامة حكم رشيد وعاقل يعطي الأولوية للمصلحة الجماعية على المصالح الفئوية. ويتطلب الالتزام بالسلام الإقليمي الذي يجعل من لبنان قوة استقرار بدلاً من أن يكون ساحة للصراعات الخارجية. والأهم من ذلك كله، يتطلب بناء عقد اجتماعي يضمن الرفاه الفعال لجميع المواطنين، عقد يتجاوز الانقسامات الطائفية لتعزيز الوئام الوطني الحقيقي والازدهار المشترك. وهذا لا يتعلق فقط بالإصلاح الإداري، بل بصياغة هوية لبنانية جديدة تحتضن تنوعنا الثري ومصيرنا المشترك.
إن العالم يراقب، ولكن الأهم من ذلك أن الشعب اللبناني ينتظر بأمل وترقب. أظهروا لهم أن هذه المرة ستختلف. أظهروا لهم أن لبنان قادر على النهوض من رماده، ليس من خلال التسوية مع الأنظمة الفاشلة، بل من خلال الالتزام الحقيقي ببناء دولة حديثة تليق بصمود شعبها وإمكاناته.
لقد حانت لحظة التحول الآن. اغتنموها بالشجاعة والرؤية التي تتطلبها بأمل راسخ في مستقبل لبنان.