الحرة بيروت ـ بقلم: ناصر رمضان عبد الحميد، عضو اتحاد كتّاب مصر
تمثّل قضية الأسرى أحد المحاور الأساسية في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، لكنها تحمل في الوقت الحالي أبعادًا أعمق وأكثر تعقيدًا. يبدو أن حماس، التي اعتادت تقديم نفسها كقوة مقاومة حازمة، تواجه أزمة متعددة الأبعاد، تتعلق بفقدان السيطرة الميدانية وعدم القدرة على الالتزام بالاتفاقيات المتعلقة بالأسرى. هذا الواقع يثير تساؤلات عميقة حول مستقبل الحركة ودورها في الساحة الفلسطينية.
فقدان السيطرة الميدانية
منذ اندلاع الحرب الأخيرة، تعرضت البنية التحتية لحماس لضربات قوية أفقدتها القدرة على إدارة العمليات العسكرية والمدنية كما كانت تفعل سابقًا. سيطرة إسرائيل على الأجواء والاتصالات والتكنولوجيا أدّت إلى تشتيت التواصل الداخلي والخارجي داخل الحركة، مما يجعل من الصعب التنسيق حتى على مستوى إدارة ملف الأسرى.
الاعتقاد السائد بأن حماس لم تسلّم أسماء الأسرى ربما يعود إلى فقدانها السيطرة على العناصر التي تحتجز هؤلاء الأسرى، أو حتى احتمال أن بعض هؤلاء لم يعودوا على قيد الحياة نتيجة الغارات الجوية أو العمليات العسكرية، أو ربما بسبب التعقيدات الأمنية التي فرضتها الظروف الحالية.
أزمة الاعتراف بالهزيمة
تواجه حماس معضلة كبرى: إذا اعترفت بفقدان السيطرة أو عجزها عن تسليم الأسرى، فإن ذلك سيؤدي إلى انهيار صورتها كقوة مهيمنة في نظر الداخل الفلسطيني والمجتمع الدولي.
فالاعتراف بالهزيمة يعني فتح الباب أمام انتقادات واسعة من الشعب الفلسطيني الذي يعاني من تبعات الحرب والتدمير. كما أن الإخلال بالاتفاقيات بشأن الأسرى قد يؤدي إلى فقدان تعاطف الأطراف الدولية التي تنظر إلى الحركة كممثل للشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
تداعيات الصراع على الشعب الفلسطيني
في ظل هذا الواقع، يدفع الشعب الفلسطيني الثمن الأكبر. البنية التحتية مدمرة، والموارد شحيحة، والانقسام الداخلي يتعمق. وفي الوقت نفسه، تستمر إسرائيل في بسط سيطرتها على الأرض والجو والاتصالات، مما يجعل المقاومة أكثر تعقيدًا وأقل فعالية.
مراجعات ضرورية لمستقبل أفضل
بدلًا من التمسك بالسردية التقليدية، على حماس أن تجري مراجعة شاملة لدورها وأسلوبها في إدارة الصراع. عليها أن تركز الجهود على المصالحة الوطنية والعمل على تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني عوضًا عن المراهنة على استمرار الصراع الذي يخدم أجندات القوى الكبرى ولا يحقق للشعب الفلسطيني أهدافه.
على أي حال، تكشف الأزمة الحالية أوجه ضعف حماس وعدم قدرتها على إدارة ملفات مصيرية في ظل الظروف الراهنة. الاعتراف بالواقع، مهما كان مريرًا، قد يكون الخطوة الأولى نحو بناء استراتيجية جديدة تضمن مستقبلًا أكثر استقرارًا للشعب الفلسطيني وتجنبه المزيد من الانقسامات والخسائر.
ومع انتهاء المهلة التي منحتها إسرائيل، أشاهد الآن استئناف القصف المكثف على قطاع غزة، ويبدو أن الأوضاع تتجه نحو المزيد من التصعيد. إسرائيل، التي تبحث عن مبررات للقضاء على ما تبقى من بنى تحتية أو مقاومة في القطاع، قد تجد في تدهور الأوضاع فرصة سانحة لتحقيق أهدافها.
وفي خضم هذه التطورات، يظهر تناقض غريب في أداء حماس، التي تبدو وكأنها في وادٍ منفصل عن الواقع. فقد أثارت الحركة موجة من السخرية الشعبية بعد إعلانها عن إعادة انتشار الشرطة “لحفظ الأملاك والمنازل”، رغم أن معظم المنازل قد دُمرت بفعل القصف الإسرائيلي المكثف. هذا الإعلان، الذي يعكس انفصالًا عن الكارثة التي يعيشها السكان، قوبل باستهزاء واسع، مما دفع الحركة إلى حذف منشوراتها أربع مرات.
هذا الخطاب المنفصل عن الواقع يسلط الضوء على أزمة حقيقية تعيشها الحركة، سواء في إدارتها للأزمة الراهنة أو في قدرتها على تقديم رؤية واضحة لمواجهة التحديات. ومع استمرار القصف، يتزايد الضغط على سكان القطاع، الذين باتوا يدفعون ثمنًا باهظًا نتيجة العجز عن إدارة الملفات الحيوية في هذا الظرف الحرج.
في ظل هذا المشهد، تبدو الحاجة ملحة لمراجعة جذرية للسياسات الحالية، ووضع مصلحة الشعب الفلسطيني فوق أي اعتبار، خاصة في ظل الدمار الشامل الذي يعصف بالقطاع.