الثلاثاء, أبريل 29, 2025
21.2 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

ناضر كسبار ـ هل يحق للمستشفى عدم السماح للمريض بمغادرته لتوجب مستحقات مالية بذمته؟

الحرة بيروت ـ بقلم: ناضر كسبار، نقيب المحامين السابق في بيروت

في قرار مهمّ صادر عن قاضي الأمور المستعجلة في بعبدا، الرئيس الياس صلاح مخيبر، بحث الحاكم مسألة طلب المريض في المستشفى الانتقال إلى مستشفى آخر لإجراء فحوصات غير متوافرة في المستشفى المذكور. إلّا أن طلبه جوبه بالرفض، وقد تواصلت إدارة المستشفى مع أهل المريض وأخبرتهم بضرورة تسديد مبلغ معيّن كمستحقات عليه.

وبحث الرئيس مخيبر مسألة صلاحية قضاء العجلة، معتبراً أن إبقاء المريض في المستشفى المستدعى ضدّه، رغماً عنه ودون إرادته، يعتبر من قبيل حجز الحرية وحبس الجسد، لاسيما متى كان بحاجة إلى إجراء فحوصات وتحاليل غير متوافرة لدى المستشفى المستدعى ضدّه، ما من شأنه أن يعرّض حياته للخطر، وأن يشكّل تعدياً واضحاً على حقه في الاستشفاء وفي سلامة جسده، ما يلحق به أضراراً فادحة، ويؤلف حالة العجلة الملحة والضرورة القصوى التي تبرر اتخاذ القرار بموجب أمر على عريضة.

كما اعتبر أن ترتب مبالغ مالية بذمة المريض لا يجيز حجز حريته وحبس جسده ومنعه من مغادرة المستشفى، إذ يبقى لهذا الأخير توسل الوسائل القانونية لتحصيل حقوقه المالية.

وقضى بإلزام المستشفى بالسماح للمريض بمغادرته تحت طائلة غرامة إكراهية.

ومما جاء في القرار المعجل التنفيذ على الأصل والصادر بتاريخ 6/3/2025 والذي يذكّرنا بالقرارات الجريئة والعادلة التي كان يصدرها القاضي الكبير صلاح مخيبر:

حيث أن المستدعي (…) تقدم بتاريخ 4/3/2025، بواسطة وكيله المحامي أ. بطلب أمر على عريضة بوجه المستدعى ضدّه مستشفى (…الحكومي) ممثلاً بمديره العام الدكتور (…) عرض فيه أنه أدخل إلى المستشفى المذكور منذ أكثر من شهرين على إثر كسر في الورك، وأجريت له عملية جراحية أولى باءت بالفشل وتبعتها عمليتان فشلتا أيضاً، فأصيب بنزيف وورم في منطقة الورك والتواء في رجله ما سبب له عطلاً دائماً، وأصبحت حالته الصحية حرجة جداً وقد يفقد حياته بين ساعة وأخرى، وهو بحاجة إلى عناية طبية وإجراء صور شعاعية لتشخيص حالته، وهي غير متوافرة في المستشفى المستدعى ضدّه، فأصبح بقاؤه فيها يشكّل خطراً على حياته، وأن أهله طلبوا نقله إلى مستشفى آخر لتلقي العلاج فجوبه طلبهم بالرفض من قبل المستشفى المستدعى ضدّه رغم إنذاره أصولاً. وأشار إلى أن إدارة المستشفى تواصلت مع أهله وأخبرتهم بضرورة تسديد مبلغ ستماية مليون ليرة لبنانية كمستحقات عليه وإلّا لن توافق على إخراجه من المستشفى. وطلب اتخاذ القرار المعجل التنفيذ النافذ على أصله بإلزام المستدعى ضده بالسماح له بالانتقال مستشفى آخر يختاره هو أو عائلته لتلقي العلاج وذلك بالطرق الطبية اللازمة عبر مؤسسة الصليب الأحمر أو غيرها من المؤسسات المشابهة النشاط تحت طائلة غرامة إكراهية لا تقل عن ألف دولار أميركي عن كل ساعة تأخير، وتكليف من يلزم لإجراء المقتضى محتفظاً بكامل حقوقه.

وحيث أن المحكمة قررت بتاريخ 4/3/2025 إبلاغ الجهة المستدعى بوجهها نسخة عن الاستدعاء الحاضر ومرفقاته وتكليفها إبداء ملاحظاتها بشأنه ضمن أربع وعشرين ساعة من تاريخ تبلغها، وأن الجهة المستدعى بوجهها تبلغت نسخة عن الاستدعاء في الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم الأحد 4/3/2025 ولم تتقدم بأية ملاحظات.

وحيث أنه سنداً لأحكام المادة /604/ من قانون أصول المحاكمات المدنية، إن الأوامر على العرائض هي قرارات مؤقتة تصدر بدون خصومة في الحالات التي يصح فيها إصدار القرار دون دعوة الخصم واستماعه، وذلك بهدف حماية مصالح الأشخاص عند تحقق عجلة ملحة وضرورة قصوى وخطر محدق تحتم اتخاذها لتعذر الانتظار واتباع إجراءات التقاضي العادية، لاسيما عندما يكون من الأفضل عدم اطلاع الفريق الآخر نظراً لعنصر المباغتة الذي يتسم به الأمر على عريضة حماية لمصالح الأشخاص المهددة بالضياع أو المعرّضة لخطر شديد، أي عند توافر عنصري العجلة والمباغتة.

وحيث فضلاً عمّا تقدّم، إن المادة /579/ من قانون أصول المحاكمات المدنية تنص على أنه:

للقاضي المنفرد أن ينظر، بوصفه قاضياً للأمور المستعجلة، في طلبات اتخاذ التدابير المستعجلة في المواد المدنية والتجارية دون التعرض لأصل الحق، مع الاحتفاظ بالصلاحية الخاصة المقررة لرئيس دائرة التنفيذ. وحيث أنه سنداً لأحكام الفقرة الأولى من المادة /579/ أصول محاكمات مدنية، إن الشرط الأساسي لاختصاص قاضي الأمور المتسعجلة، هو توافر عنصر العجلة التي تبرر اللجوء الى قاضي الأمور المستعجلة بسبب توافر عجلة ملحة وضرورة  قصوى، علماً بأن الاستعجال يستمد وجوده من طبيعة الحق المراد حمايته والظروف المحيطة به والتي تهدده، وأنه على القاضي أن يقدّر وجوده في الحالة المطروحة عليه.

وحيث أنه سنداً لأحكام المادة /589/ من قانون أصول المحاكمات المدنية لقاضي الأمورالمستعجلة أن يتخذ بناء على طلب أحد الأشخاص، تدابير مؤقتة واحتياطية من شأنها حفظ الحقوق ومنع الضرر.

وحيث أن حق الإنسان في الحياة والسلامة الجسدية هو من أهم حقوق الإنسان، وأن القانون وفّر الحماية اللازمة لحق الانسان في سلامة جسمه، كما أنه يحمي حقه في الحياة. من هنا، فإن القوانين الجزائية التي تحمي الحق في سلامة الجسم وتجرّم كل صور الاعتداء على السلامة البدنية للإنسان، وقد جرمت المواثيق الدولية كافة أفعال الاعتداء الماسة بسلامة جسم الإنسان، سواء كانت عمداً أو خطأ. الأمر الذي يشير إلى تقدير المشرّع لخطورة الاعتداء على حق الإنسان في سلامة جسمه، فإن المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، تصف الحق في الحياة بأنه حق “ملازم للإنسان” ما يعني أنه حق طبيعي مستمد من الوجود الإنساني، الأمر الذي يتعين معه حماية هذا الحق وعدم حرمان أحد منه تعسفاً.

وحيث في ضوء ما تقدم، فإن حق المرء في المحافظة على سلامة جسده يستمد حريته في اختيار العلاج الذي يراه مناسباً وأن يختار المؤسسة الطبية والاستشفائية التي تناسبه، خصوصاً في ضوء الاعتبارات الشخصية التي تحكم علاقة المريض بالجسم المعالج وعامل الثقة الذي يجب أن يرعى تلك العلاقة.

وحيث أن إبقاء المستدعي في المستشفى المستدعى ضده رغماً عنه ودون إرادته، يعتبر من قبيل حجز الحرية وحبس الجسد، لاسيما متى كان بحاجة إلى إجراء فحوصات وتحاليل غير متوافرة لدى المستشفى المستدعى ضده، ما من شأنه أن يعرّض حياته للخطر، وأن يشكّل تعدياً واضحاً على حقه في الاستشفاء وفي سلامة جسده ما يلحق به أضراراً فادحة، ويؤلف حالة العجلة الملحة والضرورة القصوى التي تبرر اتخاذ القرار بموجب أمر على عريضة.

وحيث أن ترتب مبالغ مالية بذمة المستدعي لصالح الجهة المستدعى ضدها، لا يجيز لهذه الأخيرة حجز حريته وحبس جسده ومنعه من المغادرة إلى مستشفى آخر، ما يجعل موقفها هذا غير مشروع، إذ يبقى لها أن تتوسل الوسائل القانونية المتاحة للمطالبة بحقوقها وبالمبالغ المتوجبة لها في ذمة المستدعي وتحصيلها وفقاً للأصول وعبر توسل الطرق القانونية المناسبة، ولا يجوز، بالتالي، ممارسة حق الحبس على جسد المستدعي المريض بانتظار تحصيل المبالغ المترتبة بذمته.

وحيث في ضوء مجمل ما صار بيانه، ترى المحكمة إجابة مطالب المستدعي وإلزام الجهة المستدعى ضدّها بالسماح له بمغاردة المستشفى فوراً، تحت طائلة غرامة إكراهية بقيمة عشرة ملايين ليرة لبنانية عن كل ساعة تأخير اعتباراً من تاريخ تبلّغها القرار الحاضر وحتى إنفاذ مضمونه، عملاً بأحكام المادتين /569/ و/587/ أصول محاكمات مدنية.

لذلك

يقرّر:

  1. أولاً: إلزام مستشفى (الحكومي) بالسماح للمستدعي (…) بمغادرة المستشفى فوراً، تحت طائلة غرامة إكراهية بقيمة عشرة ملايين ليرة لبنانية عن كل ساعة تأخير، اعتباراً من تاريخ تبلّغه القرار الحاضر وحتى إنفاذ مضمونه.
  2. ثانياً: إبقاء الرسوم والنفقات القانونية على عاتق من عجلها.

قراراً معجل التنفيذ نافذاً على أصله صدر في بعبدا بتاريخ 6/3/2025.

https://hura7.com/?p=47139

الأكثر قراءة