الحرة بيروت ـ بقلم: نزار بو علي، كاتب وباحث لبناني، عضو مجلس رجال الأعمال والمستثمرين العرب
بعد أن ووريَ الثرى، في ٢٣ شباط الحالي، وسواء كان المشيّعون مئة ألف أو ثلاثمئة ألف أو مليون، وسواء جاؤوا من ثلاث دول أو من مئة وتسعٍ وأربعين، ستنفضّ الجموع، وستعود إيران الداعمة لهذا النهج وستجد أن ذراعها في لبنان لم تعد كما كانت، ولم تعد الأداة التي زرعتها للسيطرة على البلاد.
ببساطة تأمّلوا جنازة عبد الناصر، وما تلاها من تراجع سريع. انظروا إلى مشهد تشييع حافظ الأسد، حيث امتلأت الشوارع بالنحيب والوعود بالبقاء على العهد ولم يصدق أتباعه الخبر، ثم انتهى كل شيء وسقط حكم العائلة قبل شهور، فالتاريخ مليء بجنائز السياسيين العظيمة التي لم تستطع تغيير المصير المحتوم.
نحترم السيد ابا هادي ونتفهم حب أنصاره له وإخلاصهم لحزبهم، ولكن لا مكان للتقديس والتمجيد المطلق للأشخاص. الوفاء الحقيقي لا يكون بتجميد الزمن عند لحظة رحيلهم أو استغلال دماء شهداء لإعادة بص الروح في جثة خط انقطعت سبل استمراريته، بل بالنهوض بالوطن والمضي قدماً نحو مستقبل جديد يليق بلبنان الرسالة و بأبنائه الوطنيين.
اخواننا في الوطن إن مشروعكم في لبنان يترنح، وسلاحكم يتآكل، بل فقد هيبته بعد عدم استعماله فيما وُجد له وجيشكم بأسف لم يبقَ منه إلا القليل، ومواردكم تتبخر يوماً بعد يوم و طرق إمدادكم تتقلص ساعات تلو الأخرى، وحليفكم في سوريا يتراجع، أما أربابكم في طهران فيبحثون عن اتفاق مع واشنطن ويتفاوضون مع إسرائيل سراً ورغم ذلك، ما زلتم متمسكين بوهم الهيمنة والتبعية لنظام متهالك.
قد تتمكنون من رفع الأعلام لبعض الوقت، ولكن لن يطول الأمر ان تستطيعوا الهروب من تبعات ما جنت أيدي مسؤوليكم، وساعة الحقيقة تقترب. رجائي ألّا تغتروا بإعادة حشد أنصاركم، ولا بعدد الذين يعلنون ولاءهم لكم، فهذه الحشود نفسها قد تصبح عبئاً عليكم، لا بل قد تكون الدافع لبداية الانهيار الحتمي.
لبنان سلك مشوار عهده الجديد، مستهدفاً بناء دولة قوية تسودها العدالة والازدهار وقوة القانون لا قانون القوة، وطن يحتضن أبناءه جميعاً بعيداً عن التبعية والمشاريع والأجندات الخارجية وإن والله بالله تالله غداً لناظره قريب والمحازبون سيكتشفون أن لا ملاذ لهم سوى الدولة وحضن الوطن وأهلهم اللبنانيين الذين لا ملاذ لهم إلا إليهم.
