الحرة بيروت ـ بقلم: نزار بو علي، كاتب وباحث لبناني، عضو مجلس رجال الأعمال والمستثمرين العرب
في ما يلي قراءة في دلالات ومؤشرات الزيارة الأولى لسماحة شيخ عقل طائفة الموحدين المسلمين المعروفين، الشيخ الدكتور سامي أبي المنى، والزعيم وليد كمال جنبلاط ونجله والوفد الكبير رفيع المستوى المرافق.
يشهد العالم اليوم تطورات متسارعة في كافة المجالات، سواء على مستوى التكنولوجيا أو الفكر السياسي والاجتماعي أو حتى عالم الموضة مع ظهور جيل شاب مليء بالطموحات والأحلام. وتبرز أهمية مواكبة هذه التغيرات بما يلبي تطلعات الشعوب وضرورة مواكبة العصر متطلبات الشباب واحترام تداول السلطة كخطوة نحو التغيير، خاصة في بلدان تعاني من التحديات السياسية والاجتماعية المتلاحقة كسوريا ولبنان.
وفي ظل ما تواجهه المجتمعات اليوم، أصبحت حماية حقوق الأقليات وتمكين الكفاءات من مختلف الخلفيات ركائز أساسية لبناء دول مستقرة ومتقدمة. فالتجربة السورية، التي امتدت لعقود تحت حكم البعث، تحمل العديد من الدروس التي يجب استخلاصها لتجنب الأخطاء السابقة وضمان مستقبل أفضل للأجيال المقبلة.
أحد أبرز أخطاء التجربة البعثية التي سقطت هو إقصاء الكفاءات وإعلاء الولاء الحزبي والسياسي على حساب الكفاءة والجدارة. وكما أشار الشرع في حديثه، فإن اختيار أصحاب المناصب القيادية والإدارية يجب أن يبنى على الجدارة والكفاءة والقدرة على الإنجاز، وليس على الإنتماءات السياسية أو العائلية.
كما يجب الاستفادة من التنوع كون الكفاءات قد تأتي من مختلف الأطياف والخلفيات، وبذلك إتاحة الفرص للجميع بحيث لكل مواطن الحق في الوصول إلى الفرص التعليمية والوظيفية دون تمييز، ذلك لأن التجربة البعثية في سوريا قدمت درساً قاسياً حول عواقب الإقصاء والقمع ومحاولات إسكات الآراء المخالفة التي أدت إلى انفجار الأزمات بدلاً من حلها، كون تمركز السلطة في يد فرد أو حزب يؤدي إلى تهميش بقية المجتمع وانعدام المساءلة.
إن ما حدث في سوريا هو نتيجة حتمية بعد عقود من التفرد بالسلطة. فتداول السلطة واحترام إرادة الشعوب يمثلان ركيزة أساسية لأي تقدّم مستدام. وفي دولة شهدت سنوات من التحديات، مثل سوريا، بات من الضروري أن يُمنح جيل الشباب فرصة للمساهمة في رسم ملامح المستقبل. فالقيادة ليست امتيازاً يُحتكر، بل مسؤولية تتطلب التجديد المستمر لتلبية متغيرات العصر. هذا التغيير لا يمكن أن يبني الثقة بين الشعب والقيادة دون أن يكون هناك وضوح في القرارات والسياسات والابتعاد عن الرمزية الزائفة ورسم خطوات فعلية نحو التغيير وتشجيع الشباب من خلال خلق مناخ يتيح لهم الإبداع والابتكار بدلاً من تقييد طموحاتهم و ضمان المساواة في الحقوق والفرص بين جميع أفراد المجتمع.
أما بما يختص بموضوع الأقليات، فهي ليست مجرد مكونات صغيرة في المجتمع، بل هي جزء أساسي من النسيج الوطني لأي دولة، كما أن بني معروف هم بناة و نواة المجتمع السوري. وهنا أشار الشرع في حديثه ضمن زيارة الوفد له إلى أن جدّه لوالده، قاسم الشرع، عانى التهجير إلى الأردن بمعيه المغفور له قائد الثورة السورية الكبرى، صاحب شعار الدين للّٰه و الوطن للجميع، الشيخ سلطان باشا الأطرش.
هذا وأكّد أن وجود الدولة هو لحماية هذة الأقليات وليس لإقصائها. فعندما تُهمّش الأقليات أو تُحرم من حقوقها، يتحول ذلك إلى مصدر دائم للتوتر والانقسام. وإدماج الأقليات في المجتمع هو ضرورة بشكل يضمن احترام هويتها وثقافتها. أما تمكين الكفاءات فهو ليس فقط واجباً أخلاقياً، بل ضرورة لتحقيق الاستقرار والتقدم. وما التجربة البعثية السابقة إلا نموذجاً واضحاً لما يجب تجنبه في المستقبل تحت أي غطاء، وذلك من خلال بناء نظام سياسي وعقد اجتماعي جديد يحترم حقوق الجميع ويفتح المجال أمام الكفاءات. عندها يمكن لسوريا أن تبدأ مرحلة جديدة تضمن مستقبلاً مشرقاً ومزدهراً لأبنائها.
مواكبة العصر ليست رفاهية، بل ضرورة لتلبية تطلعات الشباب الذين يمثلون عماد المستقبل وأساس النهضة، وإن احترام إرادة الشعوب وتمكين الشباب هما السبيل الوحيد لتحقيق تغيير حقيقي ومستدام للبنان ولسوريا المستقبل. بلدان يحتاجان إلى نظام يضمن العدالة والمساواة ويحمي حقوق الجميع، بغض النظر عن الانتماء. بلدان يتطلّعان إلى نظام ديمقراطي يتيح تداول السلطة وتمكين الشباب الذين هم عماد المستقبل، والذين يجب أن يكونوا في مقدمة التغيير، حيث يكون الأكفاء منهم بناة القرار لا متفرجين عليه وذلك بعيداً عن الأيديولوجيات أو الخلفيات الحزبية الضيقة.