السبت, يناير 18, 2025
-0 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

نزيف الكفاءات في لبنان: أزمة وجودية وتحديات اقتصادية واجتماعية

الحرة بيروت ـ خاص

تُعدّ الأزمة الحالية في لبنان واحدة من أسوأ الأزمات التي شهدها البلد منذ عقود، حيث يتعرض لنزيف حاد في كفاءاته البشرية المتمثلة في هجرة واسعة للمواهب الشابة والمؤهّلة. فمنذ اندلاع الأزمة الاقتصادية في العام 2019 غادر أكثر من 300 ألف لبناني بلادهم، من أطباء ومهندسين وباحثين، سعياً وراء إيجاد فرص أفضل خارج البلاد. ويعزى هذا النزيف إلى الانهيار الاقتصادي، والاضطراب السياسي، وندرة الفرص المحلية، ما يهدد مستقبل لبنان بشكل غير مسبوق. فما هي القطاعات الأكثر تأثراً بهذه الهجرة؟

القطاع الصحي

أحد أبرز القطاعات المتضررة هو القطاع الصحي، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالى 40% من الأطباء والممرضين غادروا لبنان، متجهين إلى دول الخليج، وأوروبا، وكندا. وأدى هذا النزيف إلى تفاقم النقص الحاد في الكوادر الطبية، ما جعل المستشفيات غير قادرة على تلبية احتياجات السكان المتزايدة في وقت يعاني فيه المرضى من فترات انتظار طويلة للحصول على العلاجات الأساسية.

التعليم

بدوره، تأثر قطاع التعليم بشكل ملحوظ، حيث هاجر العديد من المدرسين وأساتذة الجامعات إلى مؤسسات تعليمية في الخارج تقدم أجوراً أعلى وتؤمّن استقراراً وظيفياً أفضل. تراجعت جودة التعليم بشكل ملحوظ، ما وضع الطالب اللبناني أمام مصير غامض ومجهول.

التكنولوجيا والابتكار

الابتكار والتكنولوجيا من القطاعات الأخرى التي تأثرت بشدّة. فالشركات الناشئة اللبنانية، التي كانت تعدّ المحركات الأساسية للابتكار في المنطقة، تجد نفسها الآن تكافح من أجل البقاء. ويعاني رواد الأعمال من التكاليف التشغيلية المرتفعة وانقطاع الكهرباء المتكرر، ما دفعهم إلى الهجرة للعمل في أسواق أكثر استقراراً.

أسباب الهجرة

تتعدد أسباب هذا النزيف البشري وتتشابك بين عوامل هيكلية وظرفية. أبرزها:

  • تدهور العملة المحلية: في العام 2024، تجاوز سعر صرف الليرة اللبنانية 89,000 ليرة مقابل الدولار الواحد، مقارنة بـ1,500 ليرة قبل العام 2019. هذا الانهيار في قيمة العملة أدى إلى تراجع القوة الشرائية للعاملين المؤهلين، ما دفعهم للبحث عن فرص أفضل في الخارج.
  • انعدام الفرص المهنية: مع ارتفاع معدلات البطالة إلى ما يزيد عن 30%، باتت فرص الشباب اللبناني في العثور على عمل ملائم لتخصصاتهم شبه معدومة. من هنا فضّل الكثيرون الهجرة بحثاً عن مستقبل وظيفي أفضل.
  • الاضطراب السياسي: الفراغ الرئاسي الذي استمر لأكثر من عامين قبل انتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس الماضي، إلى جانب الصراعات السياسية الداخلية والحرب بين إسرائيل وحزب الله على أرض لبنان، جميعها عوامل أدت إلى إحجام المستثمرين الأجانب وتقليص الفرص المحلية للمحترفين المؤهلين.

التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية

أدى النزيف البشري إلى تداعيات عميقة طالت الاقتصاد والمجتمع اللبناني. تعاني الشركات المحلية من صعوبة في التوظيف، ما يقلل من إنتاجيتها ويعرقل جهود التعافي الاقتصادي. كما أن فقدان الكفاءات الأساسية في القطاعين العام والخاص يضعف قدرة الدولة على التخطيط وتنفيذ الإصلاحات.

هذا ويزداد التفاوت الاجتماعي، حيث يبقى في البلاد الأشخاص الأقل كفاءة مع عجز الخدمات العامة، التي كانت تعاني أصلاً، عن تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان.

دور الجالية اللبنانية

تلعب الجالية اللبنانية المنتشرة في جميع أنحاء العالم دوراً حيوياً ولكن مزدوجاً. في العام 2024، بلغت تحويلات المغتربين نحو 7 مليارات دولار، أي أكثر من 20% من الناتج المحلي الإجمالي اللبناني. ورغم أن هذه التحويلات تساعد العديد من الأسر على الاستمرار، إلا أنها لا تعوّض عن الخسائر الناجمة عن هجرة العقول. ويتردد العديد من المغتربين في العودة إلى لبنان حتى بشكل مؤقت، نظراً لاستمرار المشاكل الهيكلية، ما يحرم البلاد من رأس مال بشري أساسي لإعادة البناء.

الحلول الممكنة

لمواجهة هذه الظاهرة، يجب اتخاذ عدة إجراءات:

  • الإصلاحات الاقتصادية: تثبيت قيمة العملة ووضع سياسات مالية محفزة لاستعادة الثقة وجذب الاستثمارات.
  • برامج العودة: التعاون مع الجالية اللبنانية لتسهيل عودة المهنيين المؤهلين، وتوفير فرص عمل تناسب مهاراتهم.
  • الاستثمار في التعليم والتدريب: تحديث البنية التحتية التعليمية وتعزيز الابتكار المحلي من أجل الحفاظ على عنصر الشباب وتحفيز الاقتصاد.

يمثل نزيف المواهب والكفاءات تحدياً وجودياً للبنان. لذا، فإن استعادة الثقة في المؤسسات العامة وتثبيت الاقتصاد وتهدئة النزاعات السياسية والعسكرية هي شروط أساسية للنهوض بالبلد مجدداً. هذا إضافة إلى ضرورة العمل على إصلاحات هيكلية مدعومة بإرادة سياسية قوية وتعاون دولي متزايد لتجاوز هذه الأزمة وبناء مستقبل أكثر استدامة.

 

https://hura7.com/?p=41493

الأكثر قراءة