بقلم وليد فارس
اندبيندنت ـ إذ تستمر الحرب في غزة بين الجيش الإسرائيلي وكتائب “حماس” تتكثف في واشنطن الطروحات المتعلقة بمستقبل القطاع بعد انتهاء الحرب، ولكن يجب أن يكون هناك حوار دولي إقليمي يركز على مراحل ما بعد وقف إطلاق النار، وبدء عملية البحث عن معادلة جديدة بين غزة وإسرائيل والدول العربية.
في هذا المقال حصدنا طروحات وسيناريوهات عدة لا تزال تتكون في محيط الإدارة الأميركية ولجان الكونغرس، هذا لا يعني أن السيناريو النهائي بات موجوداً بل يعني أن هناك تعدداً في الطروحات ما بين أصحاب القرار في الملف الإسرائيلي – الفلسطيني عامة وموضوع غزة ما بعد الحرب خصوصاً.
لذلك سنطرح من زاوية نظرية بحتة عدداً من هذه السيناريوهات المتعلقة الآن بكيفية إنهاء الصراع الدموي والاحتمالات المطروحة لتطور مرحلة الانتقال إلى ما بعد الحرب. وإذ نكرر أن السيناريوهات التي لا نزال نفترضها ربما لن تطبق إطلاقاً بسبب تغير المواقف لدى حكومة تل أبيب و”حماس” والدول العربية، إضافة إلى المجتمع الدولي بخاصة الموقف الأميركي، فالتغير والتبدل في المواقف مرتبط بأحداث بعيدة من غزة وشرق المتوسط بل من الشرق الأوسط بصورة عامة.
النقطة الأولى متعلقة بسياسات واشنطن التي تتأثر الآن بأشهر الحملات الانتخابية، مثلاً السؤال الأول الذي يطرح في واشنطن تجاه السياسة الخارجية هو قدرة البيت الأبيض وسيده بايدن على إنتاج تصورات حالية ومستقبلية لما بعد حرب غزة.
وبعيداً من ساحات القتال ومسارح الاشتباكات في سوريا والعراق ولبنان واليمن هناك أزمة قائمة حالياً ليس فقط داخل إدارة بايدن بل في المكتب البيضاوي والبيت الأبيض، وتتمحور حول قدرة الرئيس جو بايدن على التعاطي مع هذا الموضوع، في ما يتعلق بقدراته الذهنية على أساس الأزمات في الأجواء التي شاهدها الرأي العام الأميركي عندما أخطأ بتسمية بعض الدول واستبدال المكسيك باسم مصر أو الكلام عن شخصيات سياسية عالمية فارقت الحياة منذ عقود.
هذا الموضوع لا يتعلق فقط بغزة بل بقدرة الرئيس الذهنية في التعاطي مع أي ملف من ملفات السياسة الخارجية، وإذا اعتبرنا أن مؤسسة الرئاسة ستهتم بموضوع الحوار أو الحسم في الشرق الأوسط فإن وجود رئيس قادر ذهنياً على التعاطي شرط أساس للتوصل إلى حل ما بعد الحرب إما دبلوماسياً أو عبر قنوات أخرى للوصول إلى السلم بعد المجابهة، وهذا السيناريو الذي يتمثل في فقدان الرئيس قدراته على التدخل في هذا الملف لن يؤثر فقط في حالة ما بعد الحرب بل أيضاً في إمكانية إطالة الحرب أو تقصيرها، من ثم فإن كل المشاريع التي سنعرضها متعلقة بقدرة بايدن على التعاطي مع الموضوع أضف إلى ذلك اشتداد المعركة الانتخابية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فتصوروا أن هذه الأزمات الخارجية مرتبطة بمن يقود أميركا في هذه المرحلة.
لو افترضنا أن هذا الموضوع، أي قدرة الرئيس وجد له حل عبر فريق رئاسي داخل الإدارة قادر على الاستمرار في المفاوضات واتخاذ القرار بغض النظر عن قدرة الرئيس يبقى موضوع الخيارات المتوفرة للإدارة قبل الانتخابات في السياسة الخارجية عموماً وحسم الصراع العربي – الإسرائيلي خصوصاً، فما لم يتمكن الأميركيون من حله في الـ10 سنوات الماضية.
لا ندري إن كان هناك وقت كاف حتى نوفمبر تتمكن فيه واشنطن من إيجاد حل دبلوماسي لإقناع الأطراف بالقبول بالشروط المطلوبة كي تصل الساحة في غزة إلى حال إنهاء الحرب، فواشنطن في موقف دفاعي عن الستاتيكو الذي أوجده الاتفاق النووي منذ 2015، لا سيما بعد عودة سياسة الرئيس أوباما إلى البيت الأبيض في 2021 فكل القرارات الرسمية لدى الإدارة المتعلقة بساحات الصدام في الشرق الأوسط مرتبطة ارتباطاً موثوقاً بتنفيذ الاتفاق النووي.
كتبنا مراراً أن السياسة الأميركية المتعلقة بحل الصدامات في الهلال الخصيب واليمن وغزة تهدف جميعها إلى إعادة الستاتيكو الذي قام مع الاتفاق النووي عبر تهدئة الجبهات، فلا تراجع عن الوجود الأميركي إلا بحالات استثنائية من ناحية وعدم التصعيد مع نظام طهران بسبب قلق مهندسي الاتفاق النووي من سقوطه إذا ما قامت واشنطن بضربة أبعد رداً على هجمات الميليشيات في هذه الساحات.
هذا يعني أن الإدارة لن تضرب الإمبراطورية الخمينية بضربات استراتيجية ما لم تقرر الخروج من الاتفاق النووي، ومن ثم في ما يتعلق بغزة فالموقف الحالي للإدارة يسمح لإسرائيل باستمرار المواجهة من جهة والضغط عليها للتوقف عبر المطالبة بوقف إطلاق من جهة ثانية. هذا يعكس تموضع الإدارة التي لا تريد إزعاج سواء طهران وإسرائيل وهذا لا يسهم في إيجاد حل للمعارك القائمة على أرض القطاع.
ومن ناحية ثانية فإن ضغط بايدن على نتنياهو محدود جداً في هذه المرحلة الانتخابية لا سيما منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) والمجزرة التي نفذتها “حماس” داخل إسرائيل، إذ إن جزءاً من الرأي العام اليهودي في أميركا، الذي كان لا يزال مؤيداً لبايدن وتحتاج إليه حملة الأخير، هذا الفصيل ومعه من يؤيده في الجاليات المسيحية البروتستانية بات لا يقبل بحل أقل من إنهاء “حماس”، مما يعني أن للرئيس بايدن قدرة كلامية وربما دبلوماسية على الضغط على نتنياهو عبر الإعلام وقنوات أخرى ولكن بشكل يحده القرار الرئيس داخل قطاع النفوذ المؤيد لإسرائيل في أميركا وهو إنهاء “حماس”.
فالإدارة تسعى إلى تهدئة الأوضاع عبر وقف إطلاق النار مما يناقض التزامها مع قادة الجالية اليهودية بأن تنهي حكومة إسرائيل وجود “حماس”، وهاتان السياستان تتناقضان ومن المستحيل على إدارة بايدن إرضاء الطرفين سواء كان الإسرائيلي أو اللوبي الإيراني المطالب بوقف إطلاق نار.
رابط النشر –https://hura7.com/?p=15222