الحرة بيروت ـ خاص
يشهد العالم اليوم تغيرات مناخية غير مسبوقة، حيث تؤدي الأنشطة البشرية إلى تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، ما قد يؤدي إلى تجاوز “نقاط التحول المناخية”، وهي عتبات حرجة يترتب عليها تغيرات دائمة وغير قابلة للعكس في النظام البيئي والمناخي العالمي.
ما هي نقاط التحول المناخية؟
يشير مصطلح “نقاط التحول المناخية” إلى نقاط حرجة في النظام المناخي، يؤدي تجاوزها إلى تغيرات كبيرة لا رجعة فيها، حتى في حال توقف العوامل المسببة لها. وإذا تم بلوغ هذه العتبات، فإن تأثيراتها ستتضاعف، ما يعرّض النظم البيئية والمناخية لخطر الانهيار.
ذوبان الجليد وارتفاع مستوى البحر
يعدّ ذوبان الغطاء الجليدي في غرينلاند أحد أبرز المخاوف المناخية. ففي حال استمرار الاحتباس الحراري دون رادع، سيصبح الذوبان مستداماً، ما قد يؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار يصل إلى سبعة أمتار على مدار قرون، وهو ما يهدد المدن الساحلية الكبرى بالغرق.
تسارع الاحتباس الحراري
تشير الأبحاث إلى أن بعض نقاط التحول المناخية قد تبدأ في التفاعل بمجرد وصول درجات الحرارة العالمية إلى 1.5-2 درجة مئوية فوق متوسط ما قبل الثورة الصناعية، في حين أن المعدل الحالي وصل إلى 1.2 درجة مئوية، ما يعني أن العالم يقترب بسرعة من هذه النقاط الحرجة.
المسببات الرئيسية للتغير المناخي
تعتبر الأنشطة البشرية المساهم الرئيسي في إطلاق الغازات الدفيئة التي تحبس الحرارة في الغلاف الجوي، ومن أبرز مصادرها:
- توليد الطاقة: يتم إنتاج معظم الكهرباء عبر حرق الوقود الأحفوري، ما يؤدي إلى انبعاث كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون.
- وسائل النقل: تسهم السيارات والطائرات والسفن في زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة، لا سيما مع استمرار الاعتماد على الوقود الأحفوري.
- إنتاج الغذاء: ينبعث غاز الميثان من المواشي، كما يؤدي استخدام الأسمدة إلى إطلاق أكسيد النتروز، وكلاهما من الغازات الدفيئة القوية.
- إزالة الغابات: يؤدي قطع الأشجار إلى تقليل قدرة الأرض على امتصاص ثاني أكسيد الكربون، ما يعزز ظاهرة الاحتباس الحراري.
- الصناعة: تعتمد القطاعات الصناعية على حرق الوقود الأحفوري، خاصة في إنتاج الأسمنت والحديد والفولاذ.
- النفايات والمواد البلاستيكية: تصنع المواد البلاستيكية من الوقود الأحفوري، وتطلق انبعاثات ضخمة عند إنتاجها أو حرقها.
الغازات الدفيئة ودورها في الاحتباس الحراري
تتضمن الغازات الدفيئة الرئيسية:
- ثاني أكسيد الكربون (CO2): ناتج عن احتراق الوقود الأحفوري وإزالة الغابات.
الميثان (CH4): ينبعث من قطاع الطاقة والزراعة، إضافة إلى ذوبان التربة المتجمدة.
- أكسيد النتروز (N2O): يتسرّب من التربة الزراعية بسبب الأسمدة الكيماوية.
التداعيات المحتملة لنقاط التحول المناخية
يحذر الخبراء من أن تجاوز نقاط التحول المناخية قد يؤدي إلى كوارث بيئية غير قابلة للعكس، منها:
- انهيار الصفائح الجليدية في القطبين، ما يؤدي إلى ارتفاع مستوى البحر وتهديد المدن الساحلية.
- ذوبان التربة المتجمدة في القطب الشمالي، ما يطلق كميات ضخمة من غاز الميثان.
- تباطؤ تيار الخليج (Gulf Stream)، ما يسبب اضطرابات مناخية حادة في أوروبا وأميركا الشمالية.
- انهيار غابة الأمازون المطيرة، ما يحوّلها من مستودع للكربون إلى مصدر للانبعاثات.
الحاجة إلى تحرك عالمي عاجل
حذّر الفريق الحكومي الدولي المعني بالتغير المناخي من أن استمرار درجات الحرارة في الارتفاع قد يؤدي إلى تخطي عتبة الدرجتين المئويتين التي حددتها اتفاقية باريس للمناخ، ما يعقّد إمكانية وقف الاحتباس الحراري.
لمواجهة هذا الخطر، يجب على الحكومات والشركات والمجتمعات تبنّي استراتيجيات خفض الانبعاثات وتعزيز الطاقة المتجددة، إضافة إلى حماية الغابات والحد من استخدام الوقود الأحفوري، للحفاظ على توازن المناخ العالمي وضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة.