الحرة بيروت ـ بقلم: نقولا أبو فيصل، رئيس تجمّع الصناعيين في البقاع
يواجه المسيحيون في الشرق حربين: الأولى حرب تقتل الروح باسم المادية، والثانية حرب تقتل الجسد باسم الدين. كما يواجه المسيحيون تحديات تتجاوز الحروب التقليدية لتصبح حروباً مزدوجة تستهدف كيانهم الروحي والجسدي. ومع تطور المجتمعات الحديثة، اجتاحت المادية العالم العربي متجاهلةً قيم العيش المشترك والتضامن التي تميّزت بها المنطقة. وقد أدّى السعي وراء المال والمظاهر إلى إضعاف القيم الروحية التي كانت تشكّل العمود الفقري للمجتمعات المسيحية، فتضاءل الشعور بالرسالة الإنسانية والمجتمعية مما خلق فراغاً وجودياً يصعب ملؤه.
على الجانب الآخر، تصاعدت موجات التطرف الديني التي استهدفت المسيحيين بشكل مباشر، باعتبارهم شريكاً مختلفاً، بالرغم من كونهم جزءاً أصيلاً من نسيج المنطقة. في سوريا اليوم يعيش المسيحيون واقعاً صعباً بعد تغيرات ديموغرافية ونزاعات مسلحة، يتخوف أن تؤدي إلى تهجير آلاف العائلات المسيحية من قراها ومدنها. هذه المعاناة تأتي بعد مأساة المسيحيين في العراق الذين تعرضوا للتطهير العرقي من مناطقهم في الموصل وسهل نينوى، مما أجبرهم على النزوح إلى الخارج أو العيش كلاجئين في وطنهم. ويبدو أن الغرب “المسيحي”… الخدعة التي دفع مسيحيو المشرق ثمن تصديقها، وبالتالي انخفض عدد المسيحيين في سوريا من مليون ونصف مليون إلى ثلاثمائة ألف.
بالإضافة إلى ذلك، يواجه المسيحيون اليوم تحدياً مختلفاً يتمثل في فرض قوانين أحوال شخصية لا تتماشى مع عقيدتهم، كفرض زواج قسري وفق الشريعة أو قيود على حرية الطلاق والإرث، مما يجعلهم في صراع دائم للحفاظ على هويتهم وحقوقهم الأساسية. إضافة إلى الهجمات على الكنائس، والتهجير القسري، والتشريعات التي لا تراعي التنوع الديني، وهنا يظهر الوجه القاسي لاستخدام الدين كأداة للعنف بدلاً من كونه رسالة سلام ومحبة.
ورغم هذه التحديات يواصل المسيحيون في الشرق صمودهم. فالكنائس تحوّلت إلى مراكز مقاومة روحية، والتاريخ شاهد على قدرتهم على التكيف مع المتغيرات عبر العصور. والبقاء في أرض الأجداد ليس خياراً، بل شهادة على الإيمان العميق بالمحبة والعيش المشترك.