الثلاثاء, أبريل 22, 2025
17.9 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

نقولا أبو فيصل ـ وهم الرفاهية… مطاعم ممتلئة وشعب جائع!

الحرة بيروت ـ بقلم: نقولا أبو فيصل، رئيس تجمّع الصناعيين في البقاع

 

في لبنان، قد تظنّ نفسك في بلدٍ يفيض رخاءً: مطاعم مزدحمة، واجهات مزخرفة، وحركة لا تهدأ. كلها صور يومية توحي بالحياة وحتى بالازدهار. لكن خلف هذا المشهد المزيّن، تختبئ مفارقة مؤلمة تختصرها عبارة على زجاج سيارة أجرة: “نصف البلد مطاعم والشعب جائع”. وهذا ليس مجرد تناقض بصري، بل انعكاس لواقع اجتماعي ونفسي عميق: الناس يأكلون لينسوا، ليقاوموا، ليُخدّروا الألم. وهكذا فإنه في بلدٍ يفتقر إلى أبسط مقوّمات الاستقرار، بات الطعام وسيلة هروب جماعية من وجعٍ مستمر. والأكل، الذي كان فعل مشاركة وحياة، تحوّل إلى فعل إنكار: نأكل كي لا نفكر، نخرج كي لا نرى الواقع، ونتظاهر بالشبع كأن شيئاً لا ينقصنا.

لكن كيف نفسّر للعالم أن بلداً ارتفعت فيه نسبة البطالة إلى مستويات غير مسبوقة، وأصبح فيه الحدّ الأدنى للأجور لا يكفي لثمن ساندويش، ومع ذلك، تغصّ المطاعم والمقاهي فيه بالروّاد، ومعظمهم من أصحاب الدخل المحدود، في مفارقة يصعب تفسيرها؟ كيف نفسّر اقتصاداً مريضاً يزدهر في قطاعه الترفيهي، بينما يتآكل في قطاعات الإنتاج والصحة والتعليم؟ المشكلة ليست في كثرة المطاعم بل في قلّة الرؤية، في غياب التخطيط وفي ثقافة تتعامل مع الأزمات وكأنها واقع دائم لا يحتاج إلى تغيير. في لبنان، نحن لا نعاني فقط من أزمة اقتصادية، بل من أزمة أخلاق، وأزمة أولويات، وأزمة وعي.

في الأساس، كان الأكل في جوهره فعل حياة وكرامة، لا مجرد مناسبة اجتماعية لطمس الواقع ولا وسيلة للزينة والمباهاة. لكن حين أصبح الطعام ترفاً، وصار يُستعمل كأداة لتجميل الواجهة بدل أن يكون حقاً من حقوق الإنسان، أصبحنا أمام خلل أخلاقي قبل أن يكون خللاً اقتصادياً. فهل نبني مستقبل لبنان على ثقافة التظاهر بالشبع، أم نعيد بناءه على وعي يُعيد للأشياء معناها الحقيقي؟ لبنان لا يحتاج مظاهر جديدة… بل رؤية جديدة تُعيد الاعتبار لما هو أساسي، وتضع الإنسان في قلب المعادلة، لا على هامشها.

https://hura7.com/?p=48701

الأكثر قراءة