france24ـ على غرار ابن خالته حسن نصر الله، الذي قُتل في 27 سبتمبر/أيلول في قصف إسرائيلي عنيف على مقر حزب الله اللبناني في الضاحية الجنوبية لبيروت، يرتدي هاشم صفي الدين بدوره العمامة السوداء. صفي الدين يبدو المؤهل أكثر من غيره لترؤس الحزب الشيعي في لبنان. ويستطيع الاعتماد على دعم شقيقه عبد الله صفي الدين، رئيس مكتب حزب الله في إيران. وفي وقت لا تزال تطرح فيه وبقوة أسئلة حول قدرة حزب الله على استيعاب خسارة زعيمه الشهير حسن نصر الله، الذي كان يمثل ركيزة إيديولوجية واستراتيجية للحزب الشيعي اللبناني، تتداول ألسنة بعض الخبراء اليوم هوية الشخص الذي من المتوقع أن يخلفه.
باستثناء حدوث تغيير جذري داخل الحزب الشيعي أو ضربة إسرائيلية استباقية تستهدفه في الأيام المقبلة، فإن اسم هاشم صفي الدين هو الأكثر تداولا اليوم لخلافة ابن خالته حسن نصر الله على الرغم من أن الرجل الثاني رسميًا في حزب الله هو نعيم قاسم.
نعيم القاسم كان قد أشار في أول خطاب له منذ اغتيال حسن نصر الله، يوم الإثنين 30 أيلول/سبتمبر، إلى أن الحزب سيختار أمينا عاما جديدا في أقرب فرصة، وبالنظر إلى النظام المعتمد داخله فإنه من المتوقع أن ينظم مجلس الشورى الذي يعتبر الهيئة العليا للحزب انتخابات لعهدة مدتها ثلاث سنوات .
وفي خطاب متلفز كانت الغاية منه طمأنة القاعدة ومقاتلي الحزب في وقت قام فيه الجيش الإسرائيلي بتصفية أبرز قياداته، قال إن “الاختيار سيكون سهلا”.
كبير مراسلي صحيفة لوموند وصاحب كتاب ” الجغرافيا السياسية لحزب الله” ‘Géopolitique du Hezbollah كريستوف عياد، يقول: “هناك حديث واسع عن هاشم صفي الدين، وهو رئيس المجلس التنفيذي للحزب، وهو ما يعادل حكومة حزب الله، كما أنه يشغل أيضا مقعدا في مجلس الجهاد، أي الجناح العسكري للحزب الشيعي. فضلا عن أنه صاحب مؤهلات واسعة، ومشروعية، ولديه روابط مع إيران قد تسمح له بخلافة حسن نصر الله.”
رئيس التحرير والمحلل في مركز كارينيغي للشرق الأوسط مايكل يونغ، يقول على حسابه على منصة إكس إن ” القنوات التلفزيونية الإخبارية العربية تردد بأن نعيم قاسم قد يكون الأمين العام المؤقت لحزب الله، إلى حين تنظيم انتخابات لاختيار الشخصية التي ستخلفه. وينطلق هاشم صفي الدين بحظوظ كبيرة في هذا السباق رغم مزاحمة شخصيات أخرى كمحمد يزبك، ممثل المرشد الأعلى للثورة الإيرانية في لبنان علي خامنئي، رغم أن حظوظه ضعيفة”.
الحديث عن خلافة حسن نصر الله كان من المحرمات في صفوف أنصار الحزب الشيعي قبل أيام قليلة من اغتياله على يد الجيش الإسرائيلي، إلا أن عدة آراء كانت تعتقد أن هاشم صفي الدين هو من يتمتع بمنصب الوريث غير الرسمي.
من هو هاشم صفي الدين؟
ولد هاشم صفي الدين في 1964 في صور جنوب لبنان، وهو شخصية عامة في صلب حزب الله. وكان صفي الدين يشارك في الفعاليات المختلفة التي ينظمها الحزب عكس حسن نصر الله الذي كان يخشى أن يستهدفه الإسرائيليون وكان نادر الظهور واختار التخفي لفترة طويلة.
وهو ما سمح لهاشم صفي الدين بتطوير علاقات مع قاعدة الحزب. خصوصا لأنه يشغل أيضا منصب رئيس المجلس التنفيذي، الذي يضاهي منصب “رئيس وزراء حزب الله”، بحسب ما نشرته صحيفة “لوريان لو جور”. منصب قوي يسمح له بالتأثير على القرارات المرتبطة بالشأن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
ورغم افتقاره للخبرة التي كان يتمتع بها نصر الله فإن عدة نقاط تشابه تجمع الرجلين. من بينها تشابه الملامح وحتى نبرة الصوت. لكن عدة أطراف كرجل الدين الشيعي محمد علي الحسيني، المسؤول السابق في حزب الله تعتقد أن هاشم صفي الدين هو شخصية أكثر عدوانية وأقل واقعية من نصر الله.
محمد علي الحسيني الذي أصبح معارضا لحزب الله وقرابته مع إيران، كان قد صرح على قناة العربية بأن حسن نصر الله كان شخصية ودودة يسهل التقرب منها إلا أن هاشم صفي الدين، صاحب شخصية صارمة بل يمكن القول إنه متعطش للدماء”، على حد تعبير الحسيني الذي يتهمه أنصار حزب الله بأنه “يتلقى أموالا من الموساد الإسرائيلي”.
ولدعم هذا الرأي يقول الحسيني إن هاشم صفي الدين كان يحث حسن نصر الله “على ضرب تل أبيب”، وذلك “بعد اغتيال صالح العاروري”، الرجل الثاني في حماس الذي اغتيل في كانون الثاني/يناير في الضاحية الجنوبية لبيروت. وبحسب محمد علي الحسيني، فإن هاشم صفي الدين “سيسارع بقصف تل أبيب ومطار بن غوريون وحتى بيت بنيامين نتانياهو في إسرائيل”.
هاشم صفي الدين كان قد صرح في مقابلة عام 2020، بأن القوة هي الوحيدة القادرة على إسقاط الحكومة الإسرائيلية والدولة االعبرية، التي يكنّ لها كراهية بالغة. وصرح: “عندما يدرك الإسرائيلي أنك في موضع ضعف، فإنه لا يرحمك. ولكن عندما يرى أنك قوي، فهو قادر على تقديم كل التنازلات”.
وهدد هاشم صفي الدين مؤخرا الجيش الإسرائيلي بتصعيد الصراع بعد اغتيال أحد كبار قادة حزب الله.
علاقة مباشرة مع إيران
وكما كان الحال مع ابن خالته الراحل، فإن هاشم صفي الدين الرجل المتدين صاحب الهيبة والذي يرتدي كذلك العمامة السوداء، تابع خلال الثمانينيات، دراسات دينية في مدينة قم الإيرانية المقدسة لدى الشيعة.
ومثل حسن نصر الله، فكان بدوره من أشد أتباع المبدأ الشيعي “ولاية الفقيه”، الذي يتمثل في أولوية الدين على السياسة. مذهب يفسر خضوع حزب الله لسلطة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي الذي ستعهد إليه دون شك مسألة تعيين الأمين العام القادم لحزب الله.
هذا الحزب الذي تعود جذور نشأته إلى ثمانينيات القرن الماضي لمحاربة الاحتلال الإسرائيلي في لبنان بدعم مالي ولوجستي وعسكري من إيران.
منصب هاشم صفي الدين المرتقب قد يجعل منه أيضا الهدف الرئيسي الجديد لجيش الدولة العبرية. وفي نفس الوقت سيكون أداة إيرانية جديدة لتعزيز قبضتها على الحزب المخترق والمتهالك الذي قد يواجه توغلا إسرائيليا محتملا في جنوب لبنان.
علاقة صفي الدين مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأجهزتها الأمنية تعززت أواصرها مع مرور السنوات ومنذ انتهاء دراسته في إيران. علاقة أخذت أيضا أبعادا عائلية حيث أن ابنه رضا متزوج من زينب سليماني، ابنة الجنرال الإيراني النافذ قاسم سليماني، الذي اغتيل في يناير/ كانون الثاني من عام 2020 في بغداد والذي كان الذراع اليمنى لآية الله علي خامنئي.
شقيق هاشم صفي الدين، عبد الله صفي الدين صاحب نفوذ كبير، أدرج مثل هاشم على قائمة الإرهابيين التي وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية بسبب ارتباطهما بالحكومة الإيرانية، يشغل منصب رئيس مكتب حزب الله في طهران.
عبد الله صفي الدين الذي يتحدث اللغة الفارسية بطلاقة، ويرتدي دائمًا ملابس مدنية ليس شخصية متدينة. وتتهمه وزارة الخزانة الأمريكية، بالوقوف وراء عدة مخططات للتحايل على العقوبات الدولية التي تستهدف إيران.
واشنطن تصف أيضًا عبد الله صفي الدين بـ”زعيم عصابة”، وكان من بين أهداف “عملية كاساندرا”، وهو تحقيق أجرته وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية (DEA)، بمساعدة الموساد، يبحث في مسؤولية حزب الله في عمليات دولية لتهريب المخدرات وغسل الأموال .
محمد علي الحسيني صرح على قناة العربية: “إذا سألتني اليوم، سأقول لك إن عائلة صفي الدين هي التي تحكم اليوم حزب الله: عبد الله من طهران وهاشم في بيروت”.