الأحد, يونيو 22, 2025
25.4 C
Beirut

الأكثر قراءة

إصدارات أسبوعية

هكذا يهدد أسطول الظل أمن أوروبا

خاص – أعلنت الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية، كايا كالاس، في مايو 2025، بعد أن اعتمد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي رسمياً حزمة جديدة من العقوبات ضد روسيا بسبب حربها على أوكرانيا: “كلما طال أمد الحرب التي تشنّها روسيا، أصبح ردّ فعلنا أكثر صرامة”.

شملت الإجراءات إدراج 189 سفينة تابعة لما يُعرف بـ”أسطول الظل” الروسي على القائمة السوداء، ليرتفع بذلك العدد الإجمالي للسفن الخاضعة للقيود إلى نحو 350 سفينة.

وفي تطوّر لافت، أعلنت بولندا أن سفينة روسية من “أسطول الظل” الخاضع للعقوبات كانت تقوم بمناورات مشبوهة بالقرب من كابل الطاقة الذي يربط بولندا بالسويد، وفق ما كتبه رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك على وسائل التواصل الاجتماعي. وأضاف: “بعد التدخل الفعّال من قبل جيشنا، أبحرت السفينة إلى أحد الموانئ الروسية.”

كشفت هذه الحوادث حجم التحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي في مهمته المستمرة، منذ عام 2024، في رصد وتتبع أسطول الناقلات المتهالكة الذي نشرته موسكو في البحار في محاولة للالتفاف على القيود الاقتصادية الصارمة التي فرضها الغرب.

وقد ازداد التركيز السياسي على “أسطول الظل”، كما يُعرف عادة، بشكل مطّرد منذ يونيو 2024، حين صنّفت بروكسل لأول مرة ناقلات النفط الروسية ومنعتها من دخول موانئ الاتحاد الأوروبي والاستفادة من خدماته. وكان الهدف الرئيس حينها من إدراج هذه السفن على القائمة السوداء هو كبح التحايل واسع النطاق.

لكن سلسلة من الحوادث في بحر البلطيق، من بينها حادث وقع في ديسمبر 2024 شهد استيلاء فنلندا على ناقلة نفط يُشتبه في قيامها عمداً بقطع كابل بحري حيوي، أثارت حالة من القلق الواسع وسلّطت الضوء على المخاطر الجسيمة التي يشكّلها “أسطول الظل” على أمن الاتحاد الأوروبي وبيئته.

وفي مايو 2025، أصدرت إستونيا تحذيراً صارماً مفاده أن روسيا باتت مستعدة لاستخدام القوة العسكرية لحماية سفنها، إذا اقتضت الحاجة، بهدف ضمان استمرار تجارتها غير المشروعة بالنفط المنقول بحراً. جاء هذا التحذير بعد أن اعترضت السلطات الإستونية سفينة مشبوهة تبحر في مياهها الإقليمية دون علم مرفوع أو تأمين ظاهر. وعقب توقيف السفينة، ظهرت طائرة عسكرية روسية في موقع الحادث.

وأكد وزير الخارجية الإستوني، مارغوس تساهكنا، خلال اجتماع لحلف شمال الأطلسي في تركيا: “لقد انتهكت هذه الطائرة المقاتلة المجال الجوي لحلف الناتو لمدة دقيقة واحدة، وهذا تطوّر غير مسبوق”. وأضاف: “علينا أن ندرك أن روسيا باتت رسمياً مرتبطة بأسطول الظل التابع لها. الوضع خطير بالفعل، ويجب أن نأخذه على محمل الجد”.

خطة بوتين الاحتياطية المكلفة

شكّل الكرملين ما يُعرف بـ”أسطول الظل” كردّ فعل على قرار مجموعة السبع وأستراليا بفرض سقف لسعر النفط الروسي المنقول بحراً، والذي دخل حيّز التنفيذ في ديسمبر 2022 بعد أشهر من المفاوضات المكثفة. وقد منعت هذه المبادرة الشركات الغربية من تقديم خدمات أساسية لناقلات النفط الروسية، مثل التأمين، والتمويل، والملاحة، في حال تجاوز سعر بيع النفط الخام 60 دولاراً للبرميل.

كما فرضت مجموعة السبع حدَّين إضافيين لسعر المنتجات النفطية: 100 دولار للبرميل للمنتجات عالية الجودة، و45 دولاراً للبرميل للمنتجات منخفضة الجودة. ومع تشديد الرقابة الدولية، لجأت موسكو إلى استخدام ناقلات نفط قديمة وسيئة الصيانة، يبلغ عمر بعضها أكثر من 20 عاماً، وتُدار عبر هياكل معقّدة تهدف إلى إخفاء هوية المالك والمشغّل الفعلي.

حصلت هذه السفن على تأمين محدود خارج نطاق التحالف الدولي لشركات التأمين الرائدة، ورفعت أعلام دول مترددة في الالتزام بالقيود الغربية، مثل بنما، وليبيريا، وجزر مارشال. وبمرور الوقت، تمكّن الكرملين من تجميع أسطول كبير يضم نحو 650 ناقلة، قادرة على التهرّب من مراقبة دول مجموعة السبع عبر سلسلة من المناورات، مثل استخدام بيانات مزيفة، أو إيقاف تشغيل أجهزة الإرسال والاستقبال لتفادي تتبّعها.

واظبت روسيا، منذ عام 2022، على بيع نفط الأورال بسعر يتجاوز السقف المحدد البالغ 60 دولاراً للبرميل، ليصل إلى 85 دولاراً في أبريل 2024. وقد حلّت الصين والهند محلّ أوروبا كأكبر مستوردي النفط الروسي، ما وفّر دخلاً حيوياً لاقتصاد الحرب الروسي.

إلا أن هذه الاستراتيجية لم تكن بلا ثمن؛ فوفقاً لجامعة كييف الوطنية للاقتصاد، أنفقت موسكو ما يقرب من 10 مليارات دولار لبناء “أسطول الظل”، الذي أصبح اليوم يتولى غالبية تجارة النفط الخام الروسي حول العالم.

وفي بروكسل، تحوّل هذا التحايل سريعاً إلى مشكلة متفاقمة، زاد من حدّتها أن نسبة كبيرة من هذه الناقلات المتهالكة بيعت لروسيا من قِبل شركات أوروبية وغربية، وعلى وجه الخصوص من اليونان. اللافت أن الاتحاد الأوروبي لم يفرض حظراً مباشراً على بيع أو نقل ملكية ناقلات النفط إلى روسيا، على الرغم من حظره لآلاف الصادرات الأخرى التي كانت موسكو بأمسّ الحاجة إليها.

اعتمد الاتحاد بدلاً من ذلك نظام إشعار يُلزم الشركات والأفراد داخل دوله بإخطار السلطات المختصة بأي صفقة بيع ناقلة، في حال كان المشتري المحتمل مرتبطاً بروسيا. وتُمنع الصفقة افتراضياً ما لم تصدر السلطات الوطنية تصريحاً بذلك.

بعد عدة جولات من العقوبات، وسّع الاتحاد الأوروبي قائمته السوداء لتشمل 342 سفينة من “أسطول الظل”، بعضها مدرج أيضاً على قوائم العقوبات البريطانية والأميركية. كما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات فردية على شركات تسهّل التحايل على سقف الأسعار الذي فرضته مجموعة السبع، وكان آخرها شركة VSK، وهي شركة تأمين بارزة في قطاع الطاقة الروسي.

أوضحت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين: “إن المزيد من العقوبات في الطريق”. وذكر بيتراس كاتيناس، محلل الطاقة في “مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف”: “هذا يشير إلى أن الحكومات الغربية بدأت، بعد ما يقرب من ثلاث سنوات، في أخذ هذه القضية على محمل الجد”.

أضاف كاتيناس: “إن الاستمرار في تصنيف السفن ساعد في تقييد أنشطة أسطول الظل، إلا أن روسيا لا تزال قادرة على التكيف بسرعة، ما يتطلب من الغرب اتخاذ خطوات أكثر حزماً وتنظيماً في مواجهة هذا التحدي”.

يُظهر أحدث تقرير شهري صادر عن مركز CREA أن حصة ناقلات “الظل” في نقل النفط الروسي انخفضت من 65% في يناير إلى 53% في أبريل، بينما أصبحت النسبة المتبقية، أي 47%، مغطاة بواسطة ناقلات مملوكة أو مؤمَّنة من دول مجموعة السبع، التي تلتزم بسقف السعر المفروض.

ومع ذلك، لا تزال هناك ثغرات كبيرة. فعلى سبيل المثال، تستمر روسيا باستخدام عمليات نقل النفط من سفينة إلى أخرى لإخفاء مصدر نفطها الخام وبيعه بشكل خادع في الأسواق العالمية. وقد أكّد كاتيناس: “يجب حظر هذه العمليات بشكل قاطع، لأنها تُشكّل خطراً واضحاً على إنفاذ العقوبات والسلامة البحرية”.

وترى يوليا بافيتسكا، مديرة برنامج العقوبات في جامعة كييف الوطنية للاقتصاد، أن “البيانات تُظهر بوضوح أن فرض العقوبات على السفن وحده لا يكفي، بل يتطلب الأمر تطبيقاً أكثر صرامة لضمان أن تحقق هذه العقوبات أثراً حقيقياً”. وحذّرت من أن “ليس كل السفن الخاضعة للعقوبات تبقى خاملة بعد إدراجها على القائمة”، مشيرةً إلى أن العديد منها “نقل النفط الروسي مرة واحدة على الأقل بعد إضافته إلى القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي”.

واقترحت بافيتسكا “أحد الحلول الممكنة، وهو فرض قيود صارمة على عبور سفن أسطول الظل عبر المياه الأوروبية، بهدف الحد من قدرتها على المناورة”. وأضافت: “على الرغم من أن ذلك سيتطلب، على الأرجح، إرادة سياسية قوية وتنسيقاً عملياً مكثفاً”.

ينص القانون البحري الدولي على حق المرور البريء، الذي يُلزم الدول بالسماح بمرور السفن الأجنبية عبر مياهها الإقليمية دون تمييز، ما لم تُثبت بوضوح تورطها في أنشطة غير قانونية. ويُعد احتجاز سفينة أجنبية أو مصادرتها خياراً جذرياً يتطلب عبئاً قانونياً صارماً لإثبات الانتهاك، كما حدث مع فنلندا عندما أوقفت سفينة “إيغل إس” للاشتباه في قيامها بأعمال تخريب.

ومن الناحية النظرية، فإن توسيع تفسير هذا الحق القانوني بما يتيح للسلطات اعتراض وإيقاف سفن “أسطول الظل” بشكل واسع ومنهجي، قد يُمكّن الاتحاد الأوروبي من تصعيد حملته – التي وُصفت مراراً بأنها بطيئة ومترددة – إلى مستوى جديد من الفعالية.

غير أن مثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى نتائج عكسية؛ إذ حذّر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، في دراسة حديثة، من أن المبالغة في تطبيق الإجراءات قد تُشكّل سابقة خطيرة تستغلها دول مثل الصين وإيران وروسيا لتبرير انتهاكاتها للنظام البحري الدولي. وأشار المعهد إلى أن ذلك قد يؤدي إلى “مزيد من التلاعب بالنظام الدولي من قِبل هذه الدول، وزيادة هشاشة الموقف الغربي أمام الاتهامات بالتناقض في تطبيق القانون الدولي”.

https://hura7.com/?p=55048

الأكثر قراءة